آلاف الدونمات من ثروتنا الحراجية حصدتها النيران وتحولت إلى رماد.. فهل يمكن إنقاذ ما تبقّى؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية-رفاه نيوف:

آلاف الدونمات من ثروتنا الحراجية في جبال اللاذقية، والتي تعد المركز الرئيس للغابات ضاعت، حصدتها النيران وحولتها لرماد، وخلفت هذه الحرائق آثاراً سلبية على البيئة والإنسان.
أكثر من عقد من الزمن ونحن نواجه الحرائق، وما زلنا عاجزين عن إطفائها بأقل الخسائر، وذلك بسبب إهمال وتقصير حكومات النظام البائد التي لم تعمل لتطوير الخطط الدفاعية.
واليوم هل وصلنا لمرحلة العجز؟ وما الآثار السلبية لحرائق الغابات؟ وهل من خطة إسعافية لإنقاذ ما تبقى من غاباتنا؟.
للإجابة عن كل ما سبق، التقت مراسلة الحرية أستاذ البيئة وحماية الغابات في قسم الحراج والبيئة بكلية الزراعة، جامعة اللاذقية الدكتور محمود علي.

تلوث المياه

يؤكد د.علي بداية أن المكونات النباتية تتحول عند حرقها إلى مركبات طيارة، يمكن أن تتسبب بأضرار كبيرة للإنسان والحيوان، كما أن بعض المواد الكيماوية الناتجة عن الاحتراق قد “تغسل” وتصل إلى المياه الجوفية، أو السطحية و تلوثها. و قد تؤدي الحرائق إلى قتل وجرح بعض الأشخاص كما حصل في الحريق المدمر في ناحية الربيعة شمال غرب اللاذقية في ٢٦/١١/٢٠٠٤، وحرائق العام ٢٠٢٠، وتوثر بشكل سلبي على التنوع الحيوي بشقيه النباتي والحيواني .

د. علي: السياسات السابقة أوصلتنا لمرحلة العجز في مكافحة الحرائق

تعرية سطح التربة

تؤدي الحرائق إلى تعرية سطح التربة والغطاء النباتي، الأمر الذي يتسبب بزيادة الانجرار المطري والريحية-حسب د. علي- ويؤثر سلباً على تشكيل التربة وحفظها، وبالتالي على كمية ونوعية المياه التي تغذي المياه الجوفية، من هنا يتضح غياب عدد كبير من الينابيع التي كانت تنتشر ضمن المناطق الحراجية، ولاسيما المناطق الحراجية السورية.
أيضاً تؤدي الحرائق إلى موت الأشجار واستهلاك جزء من الخشب، كما تؤدي إلى تخفيض القيمة الاقتصادية للخشب المتبقي بعد الحريق.

تدمير النباتات الطبية

ويضيف: يمكن للحرائق أن تدمر جزءاً من النباتات الطبية، التي يستفيد منها بعض السكان المحليين اقتصادياً، كما يمكن أن تدمر بعض ممتلكات السكان المجاورين للغابة التي تتعرض للحريق. أضف إلى ذلك، إن تجهيز وتدريب عمال مكافحة الحرائق يقابله كلفة اقتصادية، إذاً يمكن أن ينجم عن الحرائق خسائر اقتصادية تتحملها الدولة، كما يمكن أن يتكبد السكان المحليون بعض الخسائر أيضاً.
و تزيد الأضرار الفيزيائية للحرائق على الأشجار من حساسية الأخيرة لمهاجمة الحشرات والأمراض، الأمر الذي قد يخفض من العائد الاقتصادي للغابة .

تحسين الصحة البشرية

العديد من الدراسات من دول مختلفة، بما فيها أستراليا اليابان هولندا النرويج السويد بريطانيا والولايات المتحدة، تشير إلى أن المساحات الخضراء تساهم في تحسين الصحة البشرية الجسدية والنفسية، وهذه المساهمة قد تكون فيزيائية، نفسية، أو اجتماعية.
ووفق د.علي، وجدت الدراسات المشار إليها أن الفائدة من المساحات الخضراء لا تقتصر على كون الشخص ينشط في الطبيعة ( تنزه أو عمل)، ولكن أيضاً من خلال مشاهدة الطبيعة حتى من نافذة أو كون الشخص بالقرب من الطبيعة، بالتالي فإن فقدان الغابات يفقدنا هذه الخاصية.
ويتضح من كل ما تقدم، أن للحرائق انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة على المجتمعات المحلية وعلى الدولة.

السياسات السابقة أوصلتنا لمرحلة العجز

وفي سؤال للدكتور علي: هل وصلنا لمرحلة العجز في مواجهة الحرائق ، ذكر أنه في مقابلة سابقة بتاريخ 21 تموز 2024 قال: الأمل ألا يتم تحرير سوريا من الغابات خلال عقد من الزمن (كما أتوقع)، إن لم نعد النظر في خططنا، و نؤمن الموارد البشرية و المادية اللازمة لإدارة و حماية و صيانة ما تبقى من هذه الموارد الطبيعية التي تقدم لنا الكثير، و نقدم لها القليل.

وأشار إلى أن السياسات الحراجية السابقة، و خاصة خلال الفترة 2020-2024 ، أوصلتنا إلى مرحلة العجز في مواجهة الحرائق و الحد منها، و كانت الذرائع على الدوام شح الإمكانات، لكن الواقع كان “شح الإرادة و الكفاءة”، والدليل على ذلك هو كم الموارد الضخمة و الجهود الجبارة التي خصصت لإخماد حريق مشقيتا عام 2023 مثلاً، و التي لو خصصت لتنفيذ الإجراءات الوقائية المناسبة لكانت كافية لتحصين غابات المنطقة الساحلية ضد الحرائق، و إدارتها و جعلها في مصاف غابات الدول الأوروبية.

خطوات إسعافية

وعن الخطوات الإسعافية الواجب اتخاذها اليوم بعد تأخر كبير و عدم مبالاة من قبل إدارة الحراج السابقة بوزارة الزراعة، يؤكد د. علي أنه لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات الفعالة لحماية بقايا غاباتنا، و مساعدة المحروق منها على العودة، ولو أن أمر عودتها إلى سابق عهدها، يحتاج إلى عقود، فالإجراءات الوقائية التي اتخذت في السابق كانت قاصرة و تسببت بزوال غاباتنا، و بالتالي لا بد من إعادة النظر في هذه الإجراءات إذا أريد للبقايا القليلة المتناثرة ، و من هذه الإجراءات:

شق طرق حراجية

كثيراً ما نسمع من المعنيين بإدارة الحرائق أن عمليات الإخماد معقدة و صعبة بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المواقع المحروقة نظراً لتعقيد تضاريسها و غياب الطرق، و طبيعة الغطاء النباتي (غالباً مخروطيات) الحساس في أغلبيته للحرائق و إلى ما هنالك من معوقات، بالتالي لا بد من شق ما يكفي من طرق لتسهيل وصول آليات و فرق الإخماد إلى مواقع النيران بالسرعة و السهولة الكافيتين، و شق خطوط نار لإعاقة تقدم النيران في حال اندلاعها و تسهيل السيطرة عليها. وتحديث أسطول الإطفاء و توسيعه ليتمكن القائمون على عمليات الإخماد من إنجاز المهمة بالسرعة و الكفاءة الضروريتين، إضافة إلى تجهيز فرق الإخماد بمعدات الإخماد الفردية وتجهيز هذه الفرق بوسائل الحماية الفردية التي تضمن سلامة أفرادها.

عقد شراكات و اتفاقيات مع الدول للمساعدة بإخماد الحرائق

عقد شراكات خارجية

بعد الانفتاح الأوروبي و التركي على سوريا، يرى د. علي ضرورة سبر إمكانية عقد شراكات/اتفاقات مع هذه الدول للمساعدة في إخماد النيران، و خاصة أن هذه الدول تمتلك أساطيل جوية متطورة لإخماد الحرائق، و اعتقد أنها ستكون منفتحة لتعاون كهذا، لأن الآثار السلبية لزوال الغابات ليست موضعية، بل تنال دول الجوار بعضاً منها.
كما لا بد من التعامل مع المواقع المحروقة بطرق علمية بعد دراسة كل موقع بشكل مستقل و تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها، و تنفيذ هذه الإجراءات بالسرعة الممكنة.

Leave a Comment
آخر الأخبار