أبطالها باعة جوالون وميدانها أسواق شعبية… رحلة البحث عن الرزق الحلال وحكايات من “جبر الخواطر”

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – عمار الصبح:
تختصر الأسواق الشعبية في محافظة درعا الكثير من الأحاديث عن حكايا الناس وأحوال البيع والشراء، في مشهد يعكس بساطة الحال للمئات من الباعة الباحثين عن الرزق الحلال وأولئك الراضين بالقليل يسترون به حال أسرهم ومتطلبات عيشهم.
البداية من السوق الشعبي لمدينة الصنمين والذي يمتد لمسافة تقارب ٥٠٠ متر، ففي منتصف السوق تقريباً يضع أبو أيمن بسطته المتواضعة وقد احتوت على بضعة أنواع من البسكويت وقطع السكاكر و”المارشميلو” والموالح المغلقة بأكياس النايلون، والتي تتراوح أسعارها بين ٢٠٠٠ و٥٠٠٠ ليرة.
يؤكد البائع أن غالبية زبائنه من الأطفال الذين عادة ما يأتون السوق برفقة ذويهم، وقد يصادف أن يقف طفل أمام بسطته وهو ينظر بشغف إلى محتوياتها، ليبادر إلى إهدائه قطعة من السكاكر مجاناً، مستطرداً بالقول: “المركب التي ليس فيها شيء لله يغرق”.

الأسواق الشعبية أسهمت في نشوء الآلاف من فرص العمل كالباعة وأصحاب البسطات وسائقي الشاحنات وغيرهم من الباحثين عن الرزق الحلال

قبل أن يتحول إلى تاجر بسطة، كان الرجل يعمل في مجال البناء كأعمال الطينة وعمارة البلوك، ولكن جمود أسواق البناء وقلة العمل فيها، دفعه للعمل في هذا الكار ولو مؤقتاً.
يتحدث “أبو أيمن” عن أمله بعودة حركة البناء قريباً، عندها ستتحرك معها مهن كثيرة، فالبناء حسب وصفه، هو الدينمو المشغل للآلاف من فرص العمل.
نسأله عن دخله اليومي وعن أحوال السوق والزبائن، فيجيب: “مستورة والحمد لله، المهم في الأمر أن الرزق حلال حتى ولو كان بسيطاً”.

حكايا “البسطاء”
لا يبدو مظهر البسطات في أسواق مدن وقرى المحافظة مستغرباً، فهذا النمط الاقتصادي فرض وجوده القوي على الأرض بحكم الحاجة الماسة لفرص عمل ذات دخول مقنعة يحققها مثل هذا النوع من النشاط المتواضع، وأيضاً تفرضها القدرة الشرائية المتدنية والتي كثيراً ما تجد في هذه البسطات ضالتها خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بإسعاد طفل صغير أو أسرة متعففة.
في سوق الخضراوات الرئيسي بمدينة درعا ثمة من يتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والكسب الحلال مروراً بأحوال الناس.
يحدثنا صاحب بسطة خضراوات عن الأحوال: “البسطاء أصحاب الإمكانات المحدودة يفتتحون بسطات، البعض هنا قديم في المصلحة، فيما كثيرون دفعتهم قلة فرص العمل إلى امتهان هذا العمل فالوضع الاقتصادي صعب، ولكن كلنا أمل بتحسن الأمور في الفترة القادمة”.
يوجه البائع حديثه نحو أحوال الناس، والذين ورغم الراحة النفسية التي غمرتهم بسقوط النظام البائد، إلا أن قلة السيولة وضعف القدرة الشرائية لا زالا هاجسهم، حيث يمكن الاستدلال على ذلك من حجم المشتريات التي يحملها المتبضعون حسب قوله.
ويضيف: “إذا كنت تريد معرفة أحوال الناس فعليك أن تتجول ملياً في السوق، لتكتشف خفايا الأمور”.
يشرح البائع مغزى حديثه بالقول: “هناك قسم من الزبائن لا يطيق التجوال كثيراً، ولأن حالته المادية تسمح فهو يعمد للشراء أياً كانت الأسعار، فيما يبحث آخرون عن الأرخص متنقلين بين بسطة وأخرى للبحث عن ضالتهم”.
الفئة الثالثة التي يرصدها البائع في حديثه هي الأسر المتعففة، والتي تنتظر حتى نهاية السوق (آخر بيعة) فتعمد إلى شراء حاجتها بأسعار رخيصة، ولهؤلاء حسب قوله نصيب من “جبر الخواطر” ، إذ كثيراً ما يعمد بعض الباعة إلى تحميل مثل هؤلاء ما تيسر من خضراوات بلا مقابل.

قُدامى ومستجدون
أن تكون مقبولاً ومرحباً بك في السوق من أول مرة فذلك ليس بالأمر السهل، إذ يحتاج صاحب البسطة الجديد إلى بعض الوقت، فالسوق هنا وحتى وإن كانت غير نظامية، لها ضوابط وقوانين وللقدامى من أصحاب الكار وضعهم الخاص ما يميزهم قليلاً عن “المستجدين”.
يقول عبد الغني الهلال بائع بهارات: “البدايات دائماً ما تكون صعبة، ولكن مع الوقت تصبح الأمور أفضل، إذ سرعان ما يستقبل الآخرون الوافد الجديد إلى السوق، فالكل بدأ هكذا والرزق على رب العباد، بشرط الأمانة وأن تكسب ثقة زملائك في السوق وأيضاً ثقة الزبائن”.
يشرح لنا عبد الغني كيف يقوم بتجهيز بضاعته بشكل مسبق، حيث يقوم بتعبئة كل نوع من البهارات والتوابل في أكياس صغيرة بعد وزنها وإغلاقها بشكل محكم، (كمون، يانسون، كاري زنجبيل، حمض الليمون) وغيرها الكثير من الأصناف، لافتاً إلى أنه بات يعرف وبحكم سنوات عمله في هذا المجال ما تفضله ربات المنازل من أصناف وما يكثر الطلب عليه خلال مواسم معينة.
يفضل عبد الغني الأسواق الجوالة والتي تعتمد “روزنامة” محددة ومتعارف عليها، حيث يكون السوق كل يوم في منطقة، ومنها سوق الجمعة في مدينة نوى والثلاثاء في إنخل والخميس في جاسم وغيرها من أيام الأسبوع.
يرى البائع أن ما يميز هذه الأسواق رخص أسعارها بالمقارنة مع أسعار المحال، لأنها تعتمد مبدأ الربح القليل والبيع الكثير، لافتاً إلى هناك من يتخصص في نوعية محددة من المنتجات سواء كانت زراعية أو صناعية، فيما يعمد كثيرون إلى تغيير صنف تجارتهم حسب طلب السوق وبما يتلاءم مع المواسم الزراعية.

مزايا
الأسواق الشعبية المنتشرة في العديد من المدن والبلدات في المحافظة، شجعت على فتح المجال لنشوء آلاف من فرص العمل كالباعة وأصحاب البسطات وسائقي الشاحنات وغيرهم، ولعل ما يميز هذه الأسواق توسطها للشوارع الرئيسية في القرى والبلدات ما يسهل الوصول إليها، وأيضاً أسعارها المناسبة والتي تقل عن أسعار المحال بـما يقارب الـ30%.
وتنقسم الأسواق الشعبية في المحافظة حسب رأي الخبير الاقتصادي عبد اللطيف الأحمد إلى قسمين، الأول هي الأسواق الرئيسية اليومية وتنتشر في المدن الرئيسية في المحافظة ويعود تاريخ بعضها إلى عشرات السنين، فيما القسم الثاني ينضوي تحت تسمية الأسواق الجوالة والتي تعتمد “روزنامة” محددة ومتعارف عليها على مدار أيام الأسبوع، حيث يكون السوق كل يوم في منطقة.
ويضيف الخبير الاقتصادي: إن أوجه النشاط الاقتصادي في هذه الأسواق ورغم ما يصفه البعض بغير المنظم أو “اقتصاد الظل”، فقد حقق العديد من المزايا النسبية ما يجعلها (الأسواق) ذراعاً حقيقية للتدخل الإيجابي، لافتاً إلى أن أهم هذه المزايا هي تمكين الكثير من المنتجين وخصوصاً الزراعيين من عرض سلعهم ومنتجاتهم للمستهلكين دون المرور بالوسطاء أو التجار وبأسعار أخفض، وهو ما يجعلها متنفساً لذوي الدخل المحدود.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار