الحرية – صالح حميدي:
ما مدى دقة أو صحة استنزاف العملة الصعبة في استيراد الكماليات بشكل عام وفي توريد السيارات بشكل خاص، كما يردد المسؤولون دائماً، وآراء اقتصادية كثيرة تؤيد ذلك.
وكيف يؤثر الاستيراد من قبل أشخاص أو شركات على الكتلة النقدية أو على قيمة الليرة، والدولار في الحالتين ليس بتصرف الخزينة العامة وليس لدى المركزي.
فهو إذا لم يذهب لشراء الكماليات يبقى مخزناً لدى أصحابه، قطاع أعمال أو أفراد، أي هو إما مجمّد في مستودعاتهم وخزائنهم، أو في سياراتهم وعقاراتهم ومقتنياتهم.
الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر انطلق في جوابه لـ”الحرية” ومن وجهة نظره من أن سوريا دولة فقيرة بالقطع الأجنبي في احتياطيها، وبحسب تصريحات سابقة لحاكم مصرف سوريا المركزي لا يوجد إلا ما يقارب 200 مليون دولار فقط، وبحسب المعيار المالي ينبغي ألا يقل الاحتياطي عما يعادل قيمة مستوردات الدولة في 3 أشهر.
اسمندر: في حالة سوريا كدولة مدينة ينبغي ألا يقل احتياطيها عما يعادل 6 أشهر من قيمة مستورداتها أي 1.8 مليار دولار تقريباً
استيراد السيارات
وأضاف اسمندر في حالة سوريا كدولة مدينة ينبغي ألا يقل احتياطيها عما يعادل 6 أشهر، أي 1.8 مليار دولار تقريباً على اعتبار أن المستوردات السورية بلغت في عام 2024 حوالي 4 مليارات دولار.
ويرى اسمندر أنه على الرغم من أن تمويل استيراد السيارات لا يتم من المصرف المركزي، لكنه يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار، باعتبار أنه هو عملة استيراد السيارات، وهذا يؤدي إلى الاختلال في علاقة التوازن بالعرض والطلب بين الليرة السورية والدولار، ومع زيادة الطلب على الدولار وعرض المزيد من الليرة السورية مقابل ذلك، تنخفض قيمة الليرة السورية.
وبيّن اسمندر أن استيراد السيارات في سوريا وبسبب ارتفاع حجمه ( 4 مليارات دولار في عام 2025 في بضعة أشهر ) يؤدي إلى خروج الدولار إلى خارج البلد، كما أن استنزاف الدولار من السوق، لشراء كماليات وهي سلع غير إنتاجية، يؤدي إلى حرمان سوريا من فرصة استثمار هذه المبالغ في أنشطة إنتاجية صناعية وزراعية حقيقية.
ما سبق يعني بحسب الخبير الاقتصادي أن العرض من الليرة السورية، في داخل البلد، يرتفع من دون عرض موازٍ من الدولار ومن دون غطاء إنتاجي في ظل وضع البلد حالياً، وهذا يعني انخفاضاً حتمياً في قيمة الليرة.
وأوضح اسمندر أنه مع انخفاض قيمة الليرة يرتفع التضخم وتنخفض الثقة بها كوسيلة ادخار، ما يدفعهم للميل أكثر إلى استبدالها بالدولار أو بسلع معمرة، وهذا أيضاً يشكل ضغطاً تضخمياً جديداً.
الإفراط في الكماليات
وخلص اسمندر إلى القول: “نحن لسنا ضد استيراد الكماليات، ومنها السيارات لتوفير احتياج البلد منها، لكن الإفراط في ذلك، حتى لو تم تمويله من أموال الأفراد والشركات، فإن أثره على الليرة والتضخم والحالة الاقتصادية يكون كبيراً ” فالاقتصاد، كونه في مرحلة إعادة إعمار، بحاجة مستمرة لسلع التجهيز والآلات وإلا فسيتحول إلى اقتصاد استهلاكي يعيش في دوامة من التضخم الركودي.
استيراد غير مدروس
أنور العلي دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وخبير مالي ومحاسب قانوني، قال: مع العلم بتعطش السوق للكماليات، حين منع النظام البائد استيرادها ووضع شروطاً صعبة ومعقدة لها وخاصة للسيارات وعمليات تجميعها وكل ما يخصها وخاصة السياحي، إلا أن عملية السماح بها حالياً، غير مدروسة الأثر، حين فتحت الحكومة الاستيراد للجميع، ما يتطلب عملة صعبة، وهنا يكمن الخطر حيث إن كل الفعاليات الاقتصادية توجهت لاستيراد السيارات، نظراً لحالة الركود الاقتصادي لكل الأنشطة الاقتصادية (زراعة، صناعة سياحة، استثمار وغيرها)، ما أدى إلى توجه الكتلة الدولارية إلى هذه السلعة وبالتالي حرمان أي فعالية اقتصادية منها.
العلي: وجوب دراسة حاجة السوق وآلية تأمين الاحتياجات ومعرفة المستلزمات
بلا ريعية
وأسف العلي للركود في سوق السيارات لانخفاض الطلب وزيادة العرض وضعف القدرة الشرائية لدى المستهلك، وتقول الأرقام بتحويل 2 مليار دولار لدول الخليج وغيرها، قيمة سيارات خدمية مستوردة، ليس لها أي تأثير إيجابي على عجلة الاقتصاد الوطني، وأن أغلب السيارات معاد صيانتها نتيجة فيضانات حصلت في بعض هذه الدول.
ولفت العلي لوجوب دراسة حاجة السوق وآلية تأمين الاحتياجات ومعرفة المستلزمات وهذا ما شكل أكداساً من هذه السلع أي الدولارات دون حاجة لها، وكان بالإمكان بحسب العلي تقديم تسهيلات للفعاليات الاقتصادية لاستثمار هذه المبالغ في مشاريع ذات ريعية اقتصادية تسهم في الحد من البطالة بما يخدم عجلة الاقتصاد السوري.
اقتصاد سوق حر
ركاد حميدي عضو لجنة الصادرات في غرفة تجارة دمشق وصاحب شركة شحن، يرى من جهته ضمن هذا الإطار أن فتح باب الاستيراد كان بمثابة باب أمام المال المجمد في البيوت والخزائن دون استثمار، نظراً لوضع البلد (سابقاً) ونظراً للإرهاب الاقتصادي السائد آنذاك، ولاسيما جريمة التعامل بالدولار.
حميدي: فتح الاستيراد على مصراعيه لم يرفع قيمة الصرف بل حافظ عليه نسبياً ما يدل على أن الأموال كامنة في جيوب الناس دون استثمار
وأضاف حميدي: سوريا بعد التحرير اتسمت بالوفرة في الأسواق، بعد صدور قرار الهوية الاقتصادية (اقتصاد السوق التنافسي الحر) والسماح بالتعامل بالدولار دون رقيب.. الأمر الذي خفض سعر الصرف بنسبة 35% خلال أيام … وبالتالي، ارتفعت القيمة الشرائية للمواد والسلع الاستهلاكية بنسبة 25% كماً ونوعاً، وبعضها سعراً، مضيفاً أن التنافس والوفرة، خفضت الأسعار، في ظل اقتصاد سوق حر مقبول جداً.
ويرى رئيس لجنة الصادرات من جانب آخر أن فتح الاستيراد على مصراعيه، والوفرة وتخفيض سعر الصرف وارتفاع القيمة الشرائية، واستيراد السيارات والمواد الأولية والألبسة والاستيراد بشكل عام، لم يرفع قيمة الصرف بل حافظ عليه نسبياً، ما يدل على أن الأموال كامنة في جيوب الناس دون استثمار، نظراً للإرهاب الاقتصادي المعروف، الذي ساد خلال سنوات قبل التحرير، كما خلص حميدي إلى أن المال الذي بيد الناس له أثر اقتصادي استثماراً وتشغيلاً.