الحرية- مها سلطان:
رغم أن سوريا لا تكاد تفارق دائرة التركيز الشديد منذ سقوط النظام السابق في 8 كانون الأول الماضي، إلا أنها في هذه الأيام تستقطب كامل التركيز والترقب لما ستحمله المرحلة المقبلة، خصوصاً خلال (وما بعد) مشاركة الرئيس أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المقرر أن يغادر إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد غد الأحد ليصلها مساءً.
– تطورات متلاحقة مترابطة
سلسلة من التطورات المتلاحقة المترابطة شهدتها الأيام الماضية، وبدا أنها ستؤسس عملياً لمرحلة جديدة في سوريا بامتدادات إقليمية، بدءاً من زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى واشنطن واللقاءات عالية المستوى التي يجريها مع سياسيين ومشرعين أميركيين (لقاءات بناء الثقة) مروراً بإنهاء مهام دبلوماسيين أميركيين مكلفين بالملف السوري ضمن مهمة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، بصورة مفاجئة، ما أثار جدلاً كبيراً لا يزال مستمراً (وهؤلاء مقرهم إسطنبول ضمن ما يسمى «منصة سوريا الإقليمية» ويرفعون تقاريرهم إلى باراك)..
سلسلة تطورات متلاحقة مترابطة بدأت مع زيارة الشيباني إلى واشنطن وإعفاء دبلوماسيين أميركيين في «منصة إسطنبول» واستقالة بيدرسون وبما يؤسس عملياً لمرحلة جديدة في سوريا بامتدادات إقليمية
.. وقد تزامن ذلك مع إعلان استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، بعد نحو سبع سنوات من توليه هذه المهمة، والتي بدورها أثارت الجدل والاستغراب، وبدا معها أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى نحو تغيير شامل (أي تغيير كامل الطقم الدبلوماسي) المكلف بالملف السوري، باتجاه توحيده تحت سقف رؤية واحدة لتسريع عملية التقدم على مسار التسويات، سواء على مستوى حل الأزمات الداخلية، أو على مستوى التسويات السورية الإقليمية..
.. وهنا تبرز إسرائيل، والمساعي الأميركية لتحقيق اتفاق أمني سوري- إسرائيلي، يمنع الانزلاق نحو مزيد من الفوضى التي لا تخدم أحداً في المنطقة، وأيضاً لا تخدم أميركا، بطبيعة الحال، التي تسعى لاستعادة النفوذ وتثبيته، بعد انحسار بدا خطيراً خلال الأعوام الماضية، خصوصاً الخمسة الأخيرة، مع تقدم الصين وروسيا نحو تحالفات مهمة مع دول المنطقة، ومن ضمنها دول تصنف كحلفاء استراتيجيين لأميركا.
يبدو أن إدارة ترامب تسعى نحو تغيير كامل «الطقم» الدبلوماسي المكلف بالملف السوري باتجاه توحيده تحت سقف رؤية واحدة لتسريع عملية التقدم على مسار التسويات في الداخل وعلى مستوى الإقليم
.. وهكذا وصولاً إلى زيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (23-30 أيلول الجاري). وحسب المتداول سيكون هناك لقاء بين الرئيس الشرع والرئيس ترامب هو الثاني من نوعه بعد لقائهما الأول في العاصمة السعودية الرياض، في 14 أيار الماضي، والذي تخلله إعلان تاريخي من ترامب برفع العقوبات عن سوريا، ليبدأ مسار التعافي السوري، الاقتصادي والسياسي/الدبلوماسي، مع كل مرحلة من مراحل تخفيف العقوبات وصولاً إلى رفعها بالكامل في حلقتها الأخيرة المتمثلة بقانون قيصر.
التمهيد الأهم لزيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة ولقائه ترامب، يتمثل في زيارة الوزير الشيباني إلى واشنطن والمستمرة منذ أمس الخميس، والتي تضمنت لقاءات على أعلى مستوى مع مسؤولين أميركيين دارت بشكل أساسي حول ما بات يسمى «تصفير» العقوبات، وحول الاتفاق الأمني آنف الذكر.
هناك اتفاق شبه عام بين المراقبين والمحللين على أن إدارة ترامب اتخذت قراراً بتسريع خطوات الانفتاح على دمشق لدعم استقرار سوريا، وذلك عندما دعت الشيباني لزيارة واشنطن- وهي الأولى منذ أكثر من 25 عاماً لمسؤول رسمي سوري- فيما تمثل زيارة الرئيس الشرع انعطافاً تاريخياً في العلاقة السورية الأميركية، فهي الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967، ومع هذه الانعطافة فإن المنطقة تترقب وتتوقع تطورات واسعة وحاسمة بعدها.
– زيارة تاريخية وجدول أعمال
وفق المتداول إعلامياً فإن الرئيس الشرع يصل إلى الولايات المتحدة الأميركية مساء الأحد القادم، حيث سيلتقي في اليوم نفسه وفداً من ممثلي الجالية السورية.
مع الانعطافة التاريخية الجديدة في العلاقات السورية – الأميركية المتمثلة بزيارة الرئيس الشرع إلى أميركا ولقائه ترامب فإن المنطقة تترقب وتتوقع تطورات واسعة وحاسمة
وفي اليوم التالي يلتقي الرئيس ترامب، ضمن فعاليات حفل رسمي يقيمه الأخير، يشارك فيه أيضاً كل من الوزير الشيباني، ومدير الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية قتيبة إدلبي، ومدير المراسم في وزارة الخارجية قتيبة قاديش، والمندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي، ومدير المنظمات في وزارة الخارجية سعد بارود، ومسؤولون آخرون.
هذا وفق ما جاء في صحيفة «اندبندنت عربية» اليوم الجمعة، التي أشارت أيضاً إلى أنه قد يتم تمديد زيارة الرئيس الشرع إلى 29 من هذا الشهر إذا استدعى مسار المباحثات ذلك.
وحسب الصحيفة فإن الرئيس ترامب يلتقي الرئيس الشرع الاثنين المقبل، ولكن ليس من المؤكد – حتى لحظة إعداد هذا التقرير- ما إذا كان اللقاء سيتضمن توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل.
وتقول الصحيفة نقلاً عن مصادر دبلوماسية خاصة: «سوريا وإسرائيل ستوقعان اتفاقاً هذا الأسبوع، لكن لم يتمّ تحديد التاريخ بعد، وأن هناك ثلاثة تواريخ مقترحة، الأول يوم الاثنين، والثاني يوم الخميس، والثالث في 29 من هذا الشهر، لكن لم يتم حتى الآن تحديد التاريخ الدقيق». وأكدت المصادر أنه «لم يبقَ أمام توقيع الاتفاق السوري- الإسرائيلي سوى ترتيبات لوجستية وروتينية».
– الخطاب الأول
من المقرر أن يلتقي الرئيس الشرع مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم الأربعاء المقبل، حيث سيتركز اللقاء على مواصلة التعاون بين الحكومة السورية والأمم المتحدة. وبعد اللقاء سيتم الإعلان رسمياً عن نقل مكتب الأمم المتحدة الخاص بسوريا من جنيف إلى دمشق للمرة الأولى (كذلك سيتطرق اللقاء إلى العلاقة بين سوريا وإسرائيل).
في اليوم نفسه، من المقرر أن يتم تنظيم تجمع من قبل الجالية السورية في الولايات المتحدة، في مسيرة ترحيب بالرئيس الشرع، تنطلق التاسعة صباحاً، بتوقيت نيويورك، من أمام مبنى الأمم المتحدة، وفي اليوم نفسه، يلقي الشرع كلمته أمام زعماء العالم المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
– اللقاءات المتوقعة
على هامش زيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك المقررة رسمياً من 21 إلى 25 من هذا الشهر، سيلتقي الرئيس الشرع عدداً من قادة الدول العربية والأجنبية من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس.
وحسب «اندبندنت عربية» فإن اللقاءات قد تشمل اجتماعاً بين الرئيس الشرع والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لكن لا يوجد تأكيد رسمي حول هذين اللقاءين إلى الآن.
– قمة كونكورديا
يتضمن جدول أعمال الرئيس الشرع مشاركته في «قمة كونكورديا» التي ستعقد فعاليتها بين 21 و24 من هذا الشهر.
تجدر الإشارة إلى أن قمة كونكورديا هي منتدى عالمي سنوي يجمع قادة الحكومات والشركات والمنظمات لمناقشة حلول للتحديات العالمية والمحلية، وتقام عادة في مدينة نيويورك بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 2011، وتصف نفسها بأنها الجهة العالمية الرائدة التي تجمع رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين وكبار المديرين التنفيذيين وقادة المنظمات غير الربحية ومراكز الأبحاث والمؤسسات، لإيجاد حلول للتحديات مثل الاقتصاد العالمي، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية، والتغير المناخي، وغيرها، كذلك هي تعد أكبر منتدى غير حزبي، إلى جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتركز قممها الإقليمية على مجالات عالمية رئيسة.
– حوار في معهد الشرق الأوسط
من المتوقع أن يشارك الرئيس الشرع في حوار بمعهد الشرق الأوسط، وذلك وفق إعلان للمعهد على حسابه على منصة «أكس» جاء فيه: إن المعهد سيستضيف الرئيس الشرع «لإجراء حوار مع تشارلز ليستر وهو زميل أول ومدير مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط»..«ومن المتوقع أن يقدم الشرع رؤية معمقة حول مسار البلاد وعلاقاتها المتطورة مع الولايات المتحدة ودول المنطقة».
جدول أعمال زيارة الرئيس الشرع مزدحم باللقاءات عالية المستوى مع رؤساء عرب وأجانب وعلى مستوى مشاركته في فعاليات الجمعية العامة وقمة كونكورديا وحوار في معهد الشرق الأوسط
يشار إلى أن معهد الشرق الأوسط، تأسس عام 1946، وهو أقدم مؤسسة في واشنطن مخصصة حصرياً لدراسة الشرق الأوسط، حسب ما يعرف عن نفسه عبر موقعه الإلكتروني، وهو مركز أبحاث مستقل يقدم تحليلات سياسية متخصصة، وخدمات تعليمية وتطوير مهني، ويعد مركزاً للتفاعل مع فنون وثقافة المنطقة، ويضم مركز السياسات التابع للمعهد 18 برنامجاً بحثياً، ويعمل فيه أكثر من 150 باحثاً، وهو أيضاً «مؤسسة يرتكز عملها على التقاطع بين السياسة والثقافة، كما تعكس مراكزه وبرامجه الالتزام بتعزيز فهم المنطقة بشكل أعمق، ويهدف إلى تعميق معرفة مواطني ومواطنات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وتعزيز التفاهم بين شعوب المنطقتين».