الحرية- عمار الصبح:
حركت العودة الطوعية لآلاف الأسر من دول الجوار والطلب المتزايد على المساكن، أسعار إيجارات المنازل في محافظة درعا بمدنها وقراها، ودفعت بها إلى أرقام قياسية وغير مسبوقة ما أعاق استقرار ليس فقط الأسر العائدة، بل حتى أولئك الباحثين عن السكن من القاطنين في الداخل.
قلة في العرض
ووفقاً للأرقام المتداولة في سوق العقارات، فقد تراوحت إيجارات الشقق السكنية في المدينة بين مليون ونصف إلى مليوني ليرة، بمعدل ارتفاع وصل إلى ٣٠٪ مقارنة مع ما كانت عليه قبل شهرين تقريباً، وبزيادة بلغت أكثر من ١٠٠٪ بالمقارنة مع إيجارات المنازل خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يشكل قفزة سعرية وصفها مواطنون بالجنونية، خصوصاً إذا ما قيست بمستوى الخدمات وجودة المساكن.
وأوضح بلال الخالد صاحب مكتب عقاري أن المعروض من المنازل المعدة للإيجار تضاءل كثيراً مؤخراً، وبات لا يوازي الطلب المتزايد على السكن وخصوصاً من قبل العائدين بعد التحرير من لبنان والأردن، الأمر الذي دفع أصحاب المنازل إلى رفع قيم عقاراتهم، لافتاً إلى وجود تفاوت في الأسعار بين منطقة وأخرى في المدينة تبعاً للعديد من العوامل، منها مساحة البيت وموقعه ومدى توفر الخدمات في المنطقة.
وأعرب صاحب المكتب العقاري عن اعتقاده بأن تستقر الأسعار قليلاً خلال الفترة القادمة بعدما وصلت إلى حد الذروة، وذلك إثر التوقعات بتراجع الطلب على السكن وخصوصاً بعد افتتاح المدارس واستقرار نسبة كبيرة من طالبي السكن مؤقتاً.
ولا تتوقف شكاوى المستأجرين على مسألة الإيجار الشهري بل يتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك، وحسبما تحدث به البعض لصحيفتنا “الحرية”، فإن ثمة الكثير من الالتزامات المادية التي يطالب أصحاب المساكن بتأديتها قبل الموافقة على الإيجار.
يقول عمار قنيص وهو أحد الباحثين عن منزل للسكن، “أغلب المؤجّرين يفرضون على المستأجرين الدفع المسبق لستة أشهر أو سنة كاملة، بالإضافة إلى تأمين ودفع رسوم مسبقة للكهرباء والمياه، ما يعني أن المستأجر يحتاج إلى دفع مبلغ يتجاوز سبعة أو ثمانية ملايين ليرة دفعة واحدة، فقط ليستلم مفاتيح منزله، وهذا طبعاً غير تكاليف نقل الأثاث وهي عملية تتكرر كلما انتقل شخص من منزل مستأجر إلى آخر”.
المنازل المعدّة للإيجار تضاءلت كثيراً مقابل تزايد في الطلب من قبل العائدين من دول الجوار
الريف ليس أفضل حالاً
وانتقالاً إلى الريف لا يبدو المشهد أفضل، إذ يبدو أن عدوى ارتفاع الإيجارات انتقلت إليه أيضاً، حيث وصل إيجار الشقة في إحدى القرى إلى مليون ومئتي ألف ليرة، وهو رقم خيالي كما يصفه البعض، ولا يتناسب مع وضع المنازل المعدة للإيجار والتي تفتقر للخدمات الضرورية، علماً أن إيجار مثل هذا المسكن لم يكن يتجاوز ٤٠٠ ألف ليرة خلال العام الماضي.
خبير يؤكد أهمية تنظيم السوق عبر حزمة إصلاحات تشريعية وقانونية لضبط الإيجارات ومنع الاستغلال
يؤكد محمد ابو رشيد أن ظروف عمله في مجال ديكورات الدهان، اضطرته للإيجار في إحدى القرى، على أمل أن تكون الإيجارات أرخص من المدينة، لكنه تفاجأ بالأرقام المرتفعة لشقق لم تكن معدة أصلاً للإيجار، وبأسعار تقترب من تلك المسجلة في المدينة.
ويكشف عن وجود ما يشبه الاستغلال من قبل أصحاب العقارات الذين يرفعون الأسعار بشكل مزاجي وفي أغلب الأحيان قبل نهاية العقد، للضغط على المستأجر وإرغامه على القبول بالزيادة الجديدة.
وفوق كل ذلك يضيف محمد “أي منزل يتم استئجاره هنا يتطلب صيانة سريعة، وتقع على عاتق المستأجر، وقد تصل تكاليف الصيانة إلى 500 دولار، وفي أحسن الأحوال يتخلى صاحب المنزل عن إيجار شهر للمستأجر فقط مقابل أعمال الصيانة”.
تشريعات ضرورية
ظاهرة الإيجارات لم تكن تشكل معضلة بمحافظة درعا فيما سبق، غير أن ظروف الحرب وما رافقها من تدمير ممنهج للبيوت من قبل النظام البائد، وخصوصاً في مدينة درعا وأحياء درعا البلد، دفع الكثيرين للجوء إلى خيار السكن بالإيجار، والذي تعزز أيضاً مع عودة المهجرين من دول الجوار.
وفي هذا السياق يشير الخبير العقاري أنور المصطفى إلى أنه وبالأصل، ثمة محدودية في العرض من الشقق المعدة للسكن في المحافظة التي تعطلت فيها المشاريع السكنية الكبيرة خلال العقد ونيف الماضيين، واقتصرت عمليات البناء على المشاريع الصغيرة أو على عمليات الترميم البسيطة، ويلفت إلى أن غالبية المنازل المؤجرة وخصوصاً في الأرياف لم تكن معدة للتأجير أساساً، وإنما لغايات السكن من قبل أصحابها.
ويؤكد المصطفى على مسألة غياب الإطار القانوني والتنظيمي لسوق العقارات، وهو ما أفضى إلى سوق متحرر نوعاً ما وخاضع للعرض والطلب، مشدداً على ضرورة تنظيم السوق عبر حزمة إصلاحات تشريعية وقانونية لضبط الإيجارات، ومنع استغلال حاجة الفئات الضعيفة للسكن.
ويختتم الخبير العقاري حديثه بالتأكيد على أهمية أن تترافق هذه الإجراءات مع إطلاق مشاريع سكنية وطنية، ولو عبر شراكات مع القطاع الخاص، ما يلبي الحاجات الفعلية للسكن.