الحرية– سامي عيسى:
شهدت أسواقنا المحلية خلال العام الأول من التحرير تطورات سريعة ومتسارعة، أبرزها حالة الانفتاح على الأسواق الخارجية، حيث شهدت تدفقاً واسعاً للسلع والمنتجات، ما أدى إلى توافر تشكيلة سلعية متنوعة، معظمها ينافس المنتجات الوطنية سواء بالجودة أو السعر، لكن الأخير هو الأقوى في ميدان المنافسة، لأسباب كثيرة أهمها رخص المستوردات وانخفاض تكاليفها مقارنة بما هو عليه في منتجاتنا المحلية.
الأمر الذي وضع أسواقنا المحلية ومنتجاتنا الوطنية أمام معادلة صعبة، قوامها منافسة المنتج المحلي بصورة نهائية، وخاصة ما يتعلق بالمنتجات الصناعية باعتبارها الأكثر تضرراً من إغراق الأسواق.
اقتصاديون يدعون لتبني سياسة تجارية توازن بين الانفتاح على الأسواق وحماية الصناعة الوطنية الناشئة
المنتج الوطني وسياسة الإغراق
النائب السابق لرئيس غرفة صناعة دمشق ورئيس لجنة التصدير لؤي نحلاوي، كشف عن مجموعة تحديات هيكلية عميقة تواجه القطاع الصناعي، محذراً من أن الأسواق السورية تتعرض لـ «إغراق». وأوضح نحلاوي أن دول الجوار تستفيد من سياسات الدعم الحكومي (سواء دعم الطاقة أو تقديم تعويضات وإعفاءات خاصة للصادرات المتجهة نحو سوريا)، ما ينافس بالمنتج الوطني.
وشدد على أن غياب الدعم المماثل للصناعة السورية يضعف المنافسة من المصانع الوطنية من الخدمة، وبالتالي «المعادلة الحالية فيها إجحاف كبير بحق الصناعي والمصدر السوري»، نتيجة اختلال عملية التوازن في الأسواق واختلاف مستويات الدعم محلياً وخارجياً.
ضرورة المعاملة بالمثل
وضمن إطار ذلك وجملة التحديات الخارجية والداخلية، انتقد نحلاوي استمرار المعوقات الجمركية وغير الجمركية التي تفرضها دول الجوار، مشيراً إلى أن دولاً مثل الأردن تواصل فرض قيود على استيراد المنتجات السورية، حيث يتم السماح بدخولها «بموافقات خاصة» وليس عبر سوق مفتوح، ما يعيق حركة التصدير.
وأوضح نحلاوي أن حجم المستوردات السورية تجاوز الصادرات بكثير، ما يجعل الميزان التجاري يميل بشكل حاد نحو استنزاف القطع الأجنبي، مطالباً الحكومة بتحقيق «التكافؤ» في الكلف الصناعية مع دول الجوار، و«المعاملة بالمثل» جمركياً، كحد أدنى لتمكين الصناعة الوطنية من تعويض المستوردات بصادراتها وتحقيق إيرادات فعلية ترقى إلى مستوى الأهمية التصديرية.
خارطة طريق للإصلاح
من جانب آخر أكد محسن درويش، رئيس لجنة الصادرات في غرفة زراعة دمشق، أن الاقتصاد السوري يواجه تحدياً وجودياً يتمثل في تحول كفة الميزان التجاري بشكل حاد لصالح الاستيراد، مؤكداً أن هذا العجز الهائل هو نتيجة تراكمية لسنوات من تدمير البنية الإنتاجية، ويؤدي إلى استنزاف العملة الصعبة وانهيار متسارع لقيمة الليرة السورية.
وشخص درويش الأزمة التجارية في محورين: الأول ضعف الصادرات (بسبب عمل الصناعة بأقل من ربع طاقتها وارتفاع كلفة الطاقة)، والثاني ثقل الواردات، بسبب غزو السلع المستوردة الرخيصة وفتح الأسواق على مصراعيها أمام سلع لا تحمل الجودة المطلوبة بل أسعار رخيصة.
حلول جذرية
لكن حتى نخرج من حالة الإغراق، لابد من سياسات واضحة وتبني رؤية واقعية تتماشى مع الحالة الراهنة للأسواق، تضع شروط الحماية وحلول المعالجة، تبدأ بتبني سياسات اقتصادية فعالة تشمل إصلاحاً نقدياً عبر معالجة تعددية أسعار الصرف، ودعماً حقيقياً للإنتاج بتحويل الدعم الحكومي من الاستهلاك إلى قطاعات الإنتاج الحيوية (الطاقة، المواد الأولية، التمويل). والأهم تبني سياسة تجارية ذكية توازن بين الانفتاح على الأسواق وحماية وتطوير الصناعة الوطنية الناشئة، إلى جانب تطوير الصادرات بالتركيز على الانتقال من تصدير المواد الخام إلى المنتجات المصنعة ذات القيمة المضافة.