أمسية موسيقية تعيد الحياة إلى دار الأوبرا

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- حسيبة صالح:

احتضن مسرح الدراما في دار الأوبرا السورية مساء أمس أمسية استثنائية، قدّم خلالها العازفان مارينا بوهايتشوك وطارق داوود عرضاً ثنائياً على آلتي البيانو حمل عنوان “Two Pianos One Dance”، مزج بين الإيقاع الراقص والموسيقا الحيوية المستوحاة من ثقافات عالمية متنوعة، في تجربة موسيقية تفاعلية أعادت تعريف الموسيقى الكلاسيكية لدى الجمهور السوري، ولامست وجدان الحاضرين بلغة لا تحتاج إلى ترجمة.

من التحديات إلى المسرح

بدأت ملامح النجاح قبل انطلاق الحفل، مع الإقبال الكبير على شراء البطاقات، ما عكس تعطش الجمهور للفن والثقافة بعد فترات من التوتر والانقطاع.
وفي تصريح لـ”الحرية” قال العازف طارق داوود: “من لحظة بيع البطاقات، كانت ردود الفعل رائعة. الناس كانت متعطشة، وتوقعت هذا التفاعل تمامًا.”

ورغم بساطة التنظيم، واجه الفريق تحديات كبيرة، أبرزها تأمين بيانو للتدريب، حيث اضطر العازفان للتنقل إلى المعهد الموسيقي في أوقات متفرقة، إضافة إلى انتظار الموافقات الرسمية التي استغرقت شهورًا، وتزامنت مع أحداث مؤلمة، أبرزها قصف الأركان الذي طال دار الأوبرا نفسها. “كنت داخل دار الأوبرا أثناء القصف، وعشت لحظات رعب لن أنساها طوال حياتي.” يروي داوود.

لكن الإصرار على إيصال رسالة الحب للموسيقى الكلاسيكية كان أقوى من الظروف، فاختيرت المقطوعات بعناية لتكون مألوفة للجمهور، بعضها مستوحى من أفلام الكرتون ووسائل التواصل، بهدف كسر الصورة النمطية عن الكلاسيك بأنها مملة أو نخبوية.

تناغم بين الآلتين

افتُتحت الأمسية بمقطوعة “الشتاء” من كونشيرتو الفصول الأربعة للمؤلف الإيطالي أنطونيو فيفالدي، لتنتقل بعدها إلى رقصات من العصر الرومانسي، بدأت برقصة شعبية سلافية لأنطونين دفورجاك، ثم ثلاث رقصات هنغارية ليوهانس برامز. القسم الثاني حمل طابع رقصات الصالون، مع مؤلفات روسية لجورجي سفيريدوف وديمتري شوستاكوفيتش، إضافة إلى رقصة من باليه “كسارة البندق” لبيتر تشايكوفسكي، ثم “رقصة الموت” لكامي سان سان.

الختام كان مع الفلكلور الإسباني والأرجنتيني، حيث عزف داوود على آلة الكاستانيت الإيقاعية بيده اليسرى أثناء أداء “Pasodoble” لباسكوال ماركينا، قبل أن يُختتم الحفل برقصة التانغو “Libertango” لآستور بياتزولا، بتوزيع خاص أضفى نكهة الجاز وفتح المجال لفقرة ارتجالية تفاعلية مع الجمهور.

موسيقا الحجرة بلغة جماهيرية

مارينا بوهايتشوك، الأستاذة في المعهد العالي للموسيقا، عبّرت عن سعادتها بدعم المواهب السورية، مؤكدة أن الموسيقيين المحليين يمتلكون عبقرية موسيقية تستحق التقدير. وعن الثنائية الموسيقية، أوضحت أنها تنتمي إلى موسيقا الحجرة، وهي أكثر تعقيداً من العزف المنفرد، لما تتطلبه من انسجام دقيق وتبادل إشارات بين العازفين، حيث يتقاسمان دور المايسترو في تنظيم الإيقاع والإحساس.

أما داوود، فشرح أن معظم المقطوعات موزعة أساساً للأوركسترا، لكن عبر آلتي البيانو استطاعا محاكاة توزيعها، حيث تعزف اليد الواحدة أحياناً أدواراً متعددة لآلات مختلفة، ما يتطلب فهماً عميقاً لدور كل آلة في التكوين الموسيقي.
وأضاف: “الموسيقى هي لغة العالم، ونحن نحاول من خلالها أن نقرّب الناس من بعضها، وأن نعيد بناء الجسور التي تهدمت.”

لحظة ولادة جديدة للموسيقى الكلاسيكية

كان في  الأمسية اقتباس  من الكاتب الروسي تولستوي: “الموسيقى تختصر كل العاطفة الإنسانية.” وهو اختيار مقصود، كما يقول داوود، لأنه أراد أن تكون المقدمة من كاتب وليس من موسيقي، لتأكيد أن الموسيقى تتجاوز التخصص، وتخاطب الإنسان في جوهره.
وقد عبّر الحاضرون عن إعجابهم الكبير، حيث وصف أحدهم الحفل بأنه أجمل من حفلات السيمفوني التي حضرها سابقًا. أما داوود، فقد أثرت فيه لحظة عزف أول ميزورين من إحدى القطع، حيث شعر أن الرسالة وصلت فعلًا، وأن الجمهور تفاعل بصدق.
في النهاية، كانت “Two Pianos One Dance” أكثر من مجرد عنوان لحفل موسيقي، بل لحظة التقاء بين الثقافات، وانسجام بين الأرواح، ورسالة حب تُعزف على أوتار الأمل، وبداية لمشروع فني أكبر يعيد الحياة إلى الموسيقى الكلاسيكية في سوريا .

Leave a Comment
آخر الأخبار