إعلامٌ حلوٌ … و”رخيص”

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

ناظم عيد – رئيس التحرير:

ضاعت الأدبياتُ الرّصينةُ للعمل التنفيذي في مختلف حلقاته.. وسط ضجيج و”شغب” وسائل التواصل الاجتماعي..
وإن كان بعضهم يعزو السبب إلى ضعف وقلّة حضور الإعلام المُمأسس”عام وخاص”، فإن ثمة وجهة نظرٍ أخرى تبدو أعمقَ من كل الرؤى السطحية المتسرّعة، تشير إلى تحييد متعمّد وممارسات تعسّفية واضحة، جرت خلال عقد من الزمن، على وسائل الإعلام التقليدية في سوريا بكل “أجناسها”.. ومتوالية الوقائع الكثيفة تؤكد وجهة النظر هذه، فصفحة الفيسبوك الخاصة برئاسة الجمهورية البائدة، تم تحويلها إلى وكالة أنباءٍ رسميةٍ، وأقصيت “سانا” ومن ثم باقي وسائل الإعلام عن مهمة توزيع الخبر الرسمي، وعليها كلها أن تنقل عن صفحة يديرها أميّون، وبالتالي تمت بعثرةُ طيفِ التلقي وإحالته بشكل شبه كلّي إلى منابر رخوةٍ رجراجةٍ، تتنصّل من أي التزام مفترض بالمصداقية التي يبحث عنها الجميع..
وقد يكون علينا هنا أن نقاطع أنفسنا – كي لا يأخذنا السرد – لنُسجّل استغرابنا مما لم نجد له تفسيراً.. وهو عدم إزعاج إدارة فيسبوك لصفحة الرئاسة و “أخواتها” إطلاقاً، على الرغم من تواتر مصطلحاتٍ ومفرداتٍ ترصدها وتصدّها خوارزميات الفيس بشدّةٍ عادةً، بل كان لافتاً النمو المضطرد لأعداد المتابعين والمتفاعلين..!!
“نترك الإجابة والظنّ لمن لديهم فكرة”.
ومع تتالي سنوات التعسّف.. تحوّلت الهياكل الإعلامية الممأسسة بكوادرها الاحترافية ونفقاتها الهائلة – جلّها مصيره السرقة – إلى عبء على من أوكلت إليهم إدارة المنظومة التحريرية – لا الإدارية- فيها.
لسنا بصدد سردٍ للذكريات الكئيبة.. بل مقدمةٌ طويلةٌ كان لا بد منها، لنصل إلى الحالة الراهنة، وحقيقة ترقّب الجميع “إعلاميين ومتلقّين” للكيفيّة التي ستنتصر عبرها الإدارةُ السوريةُ الجديدةُ، لإعلامها صاحب المظلومية القديمة الأكبر بلا منازع، وإن صَمتَ على استحياءٍ أو مكابرةٍ.
فإن كان واضحاً أن ثمة ترتيباً جديداً وبلورةً عصريةً لمؤسسات إعلامٍ بقوامٍ لائقٍ متكاملٍ من “بوابة دمشق”.. يبقى مصدر القلق والتوجّس الأكبر، ذلك الشغف الذي نلمسه من مسؤولينا التنفيذيين بالتحدث – تبشيراً أو تفسيراً – على منصّات التواصل، أو وسائل إعلامٍ عربيةٍ مرئيةٍ أو مقروءةٍ، أما الإعلام المحلّي فيتنحّى لأن المهنية تقتضي توخّي عدم الاجترار.
نتفهّم أن ثمة رسائلَ من الداخل يحرص الرجل التنفيذي على إيصالها للعالم عبر “منصّات الكبار”.. فقد يكون ذلك وارداً على المستوى السياسي والأمني في بلد بات في “فوكس” الاهتمام العالمي.. لكن ماذا عن الوزارات المعنية بالشأن اللصيق بحياة المواطن السوري وليس سواه؟ لماذا يبقى على الأخير أن يتلقى المعلومة الخاصة بيومياته، من صفحات تنقل عن منصات.. ومنصات تنقل عن محطات هنا وهناك؟
ما يمنح إعلام البلد – أي بلد – وزنه النوعي، هم مسؤولو البلد ذاته، فالمعلومة هي المادة الدسمة في الإعلام، والمسؤول هو مصدر المعلومة استباقية كانت أم لاحقة، أما أن تُحجب المعلومة عن الإعلام المحلّي وتُتاح للآخر في الخارج، فهذا يرتب ألف سؤالٍ وسؤالٍ.
إن كانت الأمور  ستبقى في سيرورتها على هذا المنوال، فلن يكون ثمة داعٍ لكل الجهود التي تبذلها الدولة اليوم لتوطين مؤسساتٍ إعلاميةٍ كبرى.. بما أن بضع منصاتٍ وصفحات فيسبوك تفي بما يناغي الشغف بالتصريح.. وبالمناسبة هذه الأخيرة متاحةٌ وغير مكلفةٌ و”رخيصةٌ” بكل المعاني التي تتوارد إلى ذهن أصحاب الخيال الرحب.

Leave a Comment
آخر الأخبار