الحرية – عمران محفوض:
لعله جزء من الإنصاف أن يتم إلحاق الإحصاء بهيئة التخطيط.. لكنه ليس الإنصاف كله؛ لما للرقم الإحصائي من أهمية قصوى في تحديد مسارات المرحلة القادمة لسوريا الجديدة، وتوجيه بوصلة مؤسساتها نحو الوجهة الإصلاحية الصحيحة، وربما السماح لإداراتها بتوقع نتائج أعمالها المستقبلية في تنفيذ برامج التطوير الاقتصادي والاجتماعي، وإطلاق مشروعات إعادة الإعمار.
فكما نعلم جميعاً أن معرفة الأسباب الحقيقية لأي مشكلة، واستنباط الحلول التي تكون بحسب حجمها أساس وصفة المعالجة الشفافية لها، أما إذا كان تشخيص المشكلة غير دقيق وغير واقعي من حيث حجمها، فلا بد أن تكون الحلول خاطئة، وتالياً يترتب عليها نتائج سلبية تزيد من حجم المشكلة، وتفاقم معاناة المتضررين منها وتغول في أسبابها.
وفي السياق ذاته نقول: لا يستطيع طالب أو باحث أو مهتم أو مسؤول أن ينجز أية دراسة أو يتخذ قراراً صائباً وواقعياً ودقيقاً في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إلا من خلال الاعتماد على الرقم الإحصائي، والبيانات الإحصائية الدقيقة، فالقرار الاقتصادي الذي لا يُمهَّد له بإعداد دراسة جدوى رقمية متكاملة مصيره الفشل، وأيضاً الحديث الجماعي الممجوج بكلمات مثل “بعض” و”معظم” و”حوالى” و”كثير” … وغيرها من الألفاظ المماثلة، والتي اعتدنا على سماعها خلال تصريحات بعض المسؤولين في الحكومات السابقة، هو حديث غير مقنع وغير مسؤول، الهدف منه تضليل الرأي العام أو صانع القرار أو المواطن عبر إخفاء بعض السلبيات في السياسات المنتهجة أو لتبرير إجراءات معينة، أو تضخيم الإنجازات وتحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية لمعاناة المواطن، خاصة عندما يكون الموضوع المتناول يخص معدلات النمو الاقتصادي أو البطالة أو الفقر أو إيجاد فرص عمل للشباب المتعطلين، وخريجي الجامعات والمعاهد.. إلخ، في حين التكلم بلغة الأرقام والإحصائيات والبيانات؛ فله انطباع آخر عند المتلقين ومتخذي القرارات، من حيث إمكانية توضيح المصطلحات وتفسير المفاهيم وجسر الثقة وترسيخ الشفافية بين الجهات المنفذة للقرار والأخرى المستفيدة من تبعاته.
بكل الأحوال حسناً فعلت رئاسة الجمهورية حالياً بإحداث هيئة التخطيط والإحصاء؛ على أمل أن نسمع لاحقاً خبر إحداث وزارة أو هيئة إحصاء مستقلة؛ تمتلك جميع الأدوات والتجهيزات الفنية الحديثة، والإمكانيات البشرية الخبيرة والمالية الكبيرة، التي تجعلها -بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والبحثية- قادرة على منح الرقم الإحصائي سمات المصداقية والشفافية والثقة والشمولية والأهم التوقيت المناسب لصدوره، وإلزام جميع الجهات العامة والمسؤولين بعدم التصريح بأي رقم ما لم يكن صادراً عنها، وتالياً عدم ترك المجال داخلياً وخارجياً لتداول أرقام إحصائية دون الرجوع إلى سجلاتها، التي يجب أن تكون متضمنة دراسات تحليلية جاهزة لجميع أشكال الرقم الإحصائي بما يغطي جميع القطاعات، ويغني حاجة الجهات المحلية العامة والخاصة لهذه البيانات، ويسد رغبة المنظمات الدولية في معرفة معلومات عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني من مصدرها الداخلي لا عبر مراكز خارجية لها غايات وأهداف بعضها لا يفيد الشعب السوري؛ بل يضرّ به من خلال إيجاد بيئة منفّرة للعمل، والإصلاح وجذب الاستثمارات الخارجية.