الحرية- باسم المحمد:
شهد الأسبوع الجاري حدثين بارزين تمثّلا في لقاءات الرئيس أحمد الشرع داخل مصرف سوريا المركزي، واجتماعه مع مديري المصارف الخاصة. وتشير هذه التحركات إلى رسالة واضحة مفادها أن القطاع المصرفي السوري مُطالب اليوم بالارتقاء بأدائه، لمواكبة التطورات الاقتصادية والتحولات العميقة في المشهد النقدي والمصرفي والمالي، مع اقتراب مرور عام على التحرير.
السوق المصرفية السورية تبدو اليوم واعدة ومليئة بفرص الاستثمار الحقيقي لكل من يرغب في دخولها بجدية، فيما تعمل الدولة بخطوات مدروسة لتهيئة بيئة محلية ودولية مناسبة لبناء نظام مصرفي عصري قادر على دعم عملية إعادة الإعمار وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة. وقد تم تعليق العقوبات الاقتصادية بالفعل، مع توقعات بإلغائها بالكامل خلال الأشهر المقبلة، بالتوازي مع دراسات جارية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحديث التشريعات الناظمة لعمله، إضافة إلى إجراءات نقدية جديدة تعتمد على مرونة حركة الأموال وتداول القطع الأجنبي.
قبل التحرير، كان يُنظر إلى معظم المصارف السورية بوصفها “مصارف ظل” أنشِئت لخدمة شبكات النفوذ، من خلال عمليات تبييض وتهريب الأموال، والتلاعب بالأنظمة بعيداً عن معايير الشفافية والإفصاح، تحت غطاء العقوبات وغيرها من المبررات. ونتيجة لذلك، غابت الأدوار الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي يفترض أن ينهض بها هذا القطاع، ما أفقدها أهم عامل من أساسيات وجودها وهو الثقة.
وعليه، فإن المطلوب اليوم من المصارف السورية بكل تصنيفاتها—العامة والخاصة، التقليدية والإسلامية، ومؤسسات التمويل الصغير— العمل على تأسيس بنية تحتية مصرفية حديثة تستجيب لتطلعات السوريين، وتخرج من إطار خدمة فئات ضيقة نحو تعزيز الانتشار الأفقي، وتقديم منتجات مصرفية تلبي احتياجات مختلف المتعاملين، ووضع محفزات تدعم متطلبات الاقتصاد الوطني بعد سنوات طويلة من العزلة.
من الناحية التنظيمية، لا يزال الهيكل النقدي بحاجة إلى استكمال عناصر أساسية، أبرزها بناء ثلاث مؤسسات رئيسية:
مؤسسة للتمويل المتوسط والكبير
مؤسسة للتمويل المتناهي الصغر
ومؤسسة عامة تُشرف على تنسيق عمل الجميع
إلى جانب مؤسسات ضمان الودائع—صغيرة كانت أم كبيرة—ومؤسسات ضمان مخاطر القروض، بما يعزز متانة النظام الاقتصادي ويخفف آثار الأزمات. أما على مستوى السياسة النقدية، فثمة حاجة ملحّة لإدخال تعديلات جوهرية تتيح اندماجاً أوسع مع الاقتصاد العالمي.
إن التحركات المصرفية الأخيرة للرئيس الشرع تمثل خطوة أولى في إعادة بناء الثقة بالمنظومة المصرفية، ويمكن توصيفها بأنها أولى عمليات “إيداع الثقة” التي تعيد الطمأنينة للتعامل مع البنوك السورية وتفتح الباب لمرحلة مالية جديدة أكثر شفافية واستقراراً.