الحرية – نهلة أبو تك:
تتباين أسعار السلع الأساسية من شارع إلى آخر في مدينة اللاذقية، فبينما يُباع كيلو الأرز المعبأ في حي راقٍ بـ14 ألف ليرة، يمكن العثور عليه في حي شعبي بسعر 9 آلاف فقط، وينسحب الفارق نفسه على الزيت النباتي، حيث يصل سعر الليتر إلى 24 ألفًا في الحي الراقي، مقابل 20 ألفًا في الشعبي، ما يعكس مشهداً يومياً يثير تساؤلات حول أسباب هذا التفاوت ومدى تأثيره على المستهلكين.
خبير: الحل يكمن في تطبيق قيم الاقتصاد الحر وتطوير الأجهزة الحكومية
الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب إسمندر أوضح لـصحيفتنا ” الحرية ” أن تفاوت الأسعار بين الأحياء ينجم عن مجموعة من الأسباب المتشابكة، أبرزها اختلاف تفاعل التجار مع التضخم وتغيرات سعر صرف الليرة السورية، حيث يتعاملون مع هذه المتغيرات بطرائق مختلفة، ما يؤدي إلى فروق ملحوظة في التسعير، كما أن التباين في المستوى الاجتماعي بين المناطق يلعب دورًا مهمًا، إذ تميل الأسعار في الأحياء الراقية إلى الارتفاع نظراً لارتفاع دخول سكانها مقارنة بالمناطق الشعبية، ما ينعكس على سياسة التسعير.
وأضاف أن التكاليف التشغيلية تمثل عاملًا أساسيًا في تحديد الأسعار، وتشمل قيمة أو أجرة المحل، وفواتير الكهرباء والخدمات، وأجور العمال، وتكاليف المحروقات، والاعتماد على مولدات خاصة بسبب النقص في الطاقة، وإلى جانب ذلك، تسهم فروق تكلفة النقل في تفاوت الأسعار، خاصة عند نقل كميات قليلة ما يزيد التكلفة على وحدة السلعة، كما يؤثر اختلاف شبكات التوريد على الأسعار، حيث تتباين أسعار الجملة بين الموردين.
وأشار إسمندر إلى أن تسرب بعض المواد المدعومة إلى أسواق معينة يؤدي إلى تباين أسعارها مع المواد غير المدعومة، فضلاً عن دخول بضائع مهربة لا تخضع للرسوم الجمركية، ما يوجد فجوة في الأسعار بين المراكز التي تعتمد على هذه المواد وتلك التي تلتزم بالسلع النظامية، كما أن تفاوت جودة المواد، وغياب المنافسة الحقيقية، واحتكار بعض التجار لأنواع محددة من السلع، كلها عوامل تضيف إلى الفارق السعري، إلى جانب ضعف أداء الأجهزة الرقابية الحكومية وعدم قدرتها على توحيد الأسعار.
أما عن تأثير هذا التفاوت على المستهلكين، فيوضح إسمندر أنه يؤدي إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي، حيث يتحمل ذوو الدخل المحدود أعباء مالية أكبر نسبياً من ذوي الدخل المرتفع، كما يساهم في زيادة العبء المالي اليومي، ويفاقم حالة التوتر والقلق لدى بعض الأسر، ويؤثر سلبًا على النسيج الاجتماعي، فضلاً عن إضعاف ثقة الناس بقدرة المؤسسات الحكومية على ضبط الأسعار.
وختم بالقول: ما زال الاقتصاد السوري يعاني حالة من عدم الاستقرار وبنية اقتصادية متخلفة، الأمر الذي يفرض مظاهر سلبية عديدة، ومنها تفاوت أسعار المواد الأساسية، والحل يكمن في تحسين الإدارة الاقتصادية والتخلي عن النمطية في معالجة القضايا، وتطبيق قيم الاقتصاد الحر القائم على المنافسة، وتطوير الأجهزة الحكومية ورفدها بالكوادر المناسبة لتكون أكثر قدرة على ضبط الأسعار قدر الإمكان.