الأدب المقارن.. جسر مودة بين الثقافات ومرآة للروح الإنسانية المشتركة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- رنا بغدان:

الأدب المقارن هو فرع أكاديمي يدرس الأعمال الأدبية عبر الثقافات واللغات وفق الفترات الزمنية المختلفة، كما يشمل دراسة العلاقة بين الأدب ومناطق المعرفة الأخرى بما فيها الفنون مثل “الرسم والنحت والموسيقا والفنون المسرحية..” إضافة إلى التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية.. ويسعى إلى فهم التأثيرات المتبادلة بين الثقافات المختلفة كما يسمح بإدراك ما هو إنساني مشترك وما هو فريد في كل ثقافة فيدرس كيف تتأثر الثقافات والآداب ببعضها البعض عبر الزمان والمكان وكيف تتجلى هذه التأثيرات في الأعمال الفنية والنصوص الأدبية، وتوسيع فهم الأدب بعيداً عن الحدود الوطنية والمفاهيم التقليدية، مستخدماً أطراً نظرية متنوعة لتجاوز التركيز التقليدي على التأثر والتأثير التاريخي ليساهم في بناء فهم أعمق للتفكير العالمي والأفكار العظيمة والتنوع الثقافي.
وتتفق آراء النقاد على أن فرنسا هي المهد الأول لهذا الفرع المعرفي، حيث يعود تاريخ الدراسات الأدبية المقارنة إلى أوائل القرن التاسع عشر، ذلك العصر الذي أعطى أهمية للتاريخ وارتبط به، وأولى عناية خاصة بالتراث والفلكلور الشعبي حين ألقى “فراغوا نول” وبعض مساعديه محاضرات في الأدب المقارن بجامعة السوربون بين عامي 1816 و1825, إلا أن نشأته كانت في 12 مارس 1830 في مرسيليا في الجامعة الحرة المعروفة “الأتينة”، لكن وعلى الرغم من ذلك لم تعترف الجامعة الفرنسية بالعِلم الوليد فلقد كان يُدَّرَس الأدب المقارن في محاضرات بعنوان “الآداب الأجنبية المقارنة” ويعتبر المؤتمر الدولي للآداب في باريس 16 يونيو 1878 الاجتماع الأول لهذا الأدب الذي ترأس جلسته الكاتب الشهير فيكتور هوجو (Victor Hugo) وتورجينييف الكاتب الروسي. لقد دعم جهود المتخصصين في تاريخ الأدب الفرنسي جهود رواد الأدب المقارن حتى ظهر أخيراً كجزء من تاريخ الأدب في المدرسة العليا حيث قام برينتيار (Bruntiere) بتدريس الأدب المقارن من (1890-1891).
وعلى الرغم من تعدد مدارس الأدب المقارن فقد عرف توجهين أساسيين؛ الأول تمثله تاريخياً المدرسة الفرنسية أما الثاني فهو اتجاه المدرسة الأمريكية، وشكلت المدرستان مساره ومنهجياته مما ساعد في تطور مفهومه وتبلور ملامحه عبر مسار تاريخي طويل أثبت فيه قدرته على تعزيز التفاهم الثقافي والحوار بين الشعوب وساعد على تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافات ودعم التواصل البيني مما ساهم في تنمية التفاهم المتبادل للتفاعلات الثقافية والإنسانية بين الشعوب عبر الزمان والمكان، فأثبت قدرته الفائقة على التكيف والتطور وإثراء النقد الأدبي بمناهج ورؤى جديدة.
وعلى الرغم من الأزمات التي واجهها والتساؤلات حول هويته، فإن الأدب المقارن يمتلك المرونة اللازمة لدمج التطورات التكنولوجية الحديثة وتبني مناهج جديدة تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي، فهو يقدم نموذجاً للتفاهم والتعايش، ويدعو باستمرار إلى الحوار والتأمل والاعتراف بالآخر. هذا التأكيد على القيمة الإنسانية للأدب المقارن يعيد تأكيد أهميته في المناهج التعليمية والبحثية، ويدعو إلى الاستثمار فيه كأداة لبناء مستقبل أفضل، حيث لا ينظر إلى الاختلافات الثقافية كحواجز بل كمصادر للإثراء المتبادل، مما يجعله ضرورة ثقافية وإنسانية ملحة في عصرنا.
وبذلك يتجاوز الأدب المقارن دوره كونه تخصصاً أكاديمياً بحتاً ليصبح أداة ثقافية حيوية تساهم بشكل مباشر في بناء جسور التفاهم والتقارب بين الشعوب وتشكيل تفاهم ووعي إنساني عالمي يتجاوز الحدود ويسعى إلى إبراز الأدب بكل تنوعاته وأشكاله كمرآة للروح الإنسانية المشتركة.

Leave a Comment
آخر الأخبار