الحرّية- هبا علي أحمد:
بعد سنوات من الحظر، أصدرت شركة ميتا قراراً تسمح بموجبه إنشاء حملات إعلانية ممولة في سوريا عبر فيسبوك وإنستغرام، الأمر الذي يرى فيه البعض فرصة جديدة للمؤسسات والأفراد و الترويج في السوق السورية، وتحويل التسويق إلى رافعة تنموية حقيقية.
الإعلانات الممولة في سوريا عبر ميتا نقطة تحوّل إستراتيجية في الاقتصاد الرقمي السوري
ولأن حديث الاقتصاد مازال متقدماً على غيره في السياق السوري، دائماً يأخذ أي قرار منحىً اقتصادياً بمعنى؛ كيف ينعكس اقتصادياً وما هي الفرص الاقتصادية التي يُمكن أن تنشأ نتيجة لهذا القرار؟
وأيضاً على اعتبار أنّ القرار يرتبط بالتكنولوجيا، يتم البحث راهناً عن التحدّيات التقنية التي قد تواجهها المؤسسات عند بدء استخدام الإعلانات الممولة على منصات ميتا وبالتالي ما الحلول؟
الأبعاد
في الأبعاد الاقتصادية والتقنية لقرار السماح بالإعلانات الممولة في سوريا، يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، أنّ قرار فتح إمكانية الإعلانات الممولة عبر منصات ميتا (فيسبوك وإنستغرام) وتطبيقات مثل تلغرام نقطة تحوّل إستراتيجية في الاقتصاد الرقمي السوري، خاصة بعد رفع العقوبات الأمريكية في أيار الماضي، وأيضاً تنطلق خصوصية القرار كونه يأتي بعد عقود من الانغلاق التقني الذي حال دون اندماج سوريا في منظومة الاقتصاد الرقمي العالمي، ويعيد تشكيل العلاقة بين التكنولوجيا والسوق المحلية.
استخدام الإعلانات للترويج للمنتجات المحلية يُمكن أن يعزز الطلب الداخلي ويقلّل من الاعتماد على الاستيراد ويوفر فرص عمل
ولفت قوشجي في تصريح لـ”الحرّية” إلى أنّ السماح بالإعلانات الممولة يعني أن المؤسسات السورية باتت قادرة على الدفع مباشرة لهذه المنصات لعرض محتواها الإعلاني للجمهور المستهدف، باستخدام أدوات متقدمة مثل الاستهداف الجغرافي والديموغرافي، وتحليل السلوك الشرائي، وتتبع الأداء عبر تقنيات مثل Facebook Pixel وGoogle Analytics، وهذا التطور يفتح الباب أمام تسويق رقمي احترافي، بعد سنوات من الاعتماد على النشر العضوي والمجموعات المغلقة التي كانت تفتقر إلى أدوات القياس والتحسين.
تحوّل في ثقافة التسويق
بناء ما تقدّم فمن الطبيعي أن يكون لهذا القرار تأثير عميق على المؤسسات المحلية في سوريا، حيث سيؤدي إلى تحوّل جذري في ثقافة التسويق من النشر العشوائي إلى الحملات المدروسة المبنية على البيانات، وفقاً للخبير الاقتصادي، فالمؤسسات التي تتقن استخدام أدوات التسويق الرقمي ستتمكن من الوصول إلى جمهورها بشكل أكثر فعالية، ما يعزز قدرتها التنافسية في السوق، كما سيؤدي هذا التحول إلى ظهور شركات تسويق رقمي محلية، تقدم خدمات احترافية في إدارة الحملات وتحليل البيانات، ما يخلق بيئة أعمال جديدة تعتمد على الكفاءة والتحليل، بدل العشوائية والانطباعية.
يُمكن استهداف السوريين في الخارج بحملات إعلانية مدروسة لشراء منتجات محلية أو الاستثمار في مشاريع داخلية ما يعيد بناء جسور اقتصادية بين الداخل والخارج
إستراتيجية واضحة
ولابدّ من استغلال أي خطوة والاستفادة منها بما يخدم تعزيز الاقتصاد المحلي، وللاستفادة من خطوة ميتا فإن ذلك يتطلب إستراتيجية واضحة، تبدأ بتدريب الفرق التسويقية ،على أدوات إدارة الإعلانات وتحليل الأداء وبالتالي وفقاً للدكتور قوشجي؛ فاستخدام هذه الإعلانات للترويج للمنتجات المحلية يُمكن أن يعزز الطلب الداخلي، ويُقلّل من الاعتماد على الاستيراد، ما يُسهم في تنشيط التجارة الإلكترونية المحلية، وهذا بدوره يخلق فرص عمل جديدة في مجالات متعددة مثل التوصيل، التصميم، وخدمة العملاء.
كما أن الحملات الممولة ترفع من كفاءة التسويق، وتُقلّل من الهدر الإعلاني، ما ينعكس إيجاباً على أداء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ويُعزز من ديناميكية السوق المحلي.
فرص اقتصادية
يُشير الخبير الاقتصادي إلى أن القرار يفتح الباب أمام فرص اقتصادية متعددة، أبرزها نمو قطاع التسويق الرقمي وظهور وكالات جديدة تقدم خدمات متخصصة، كما يُوفر فرص عمل للمصممين والمحللين، ويُشجع على توسع التجارة الإلكترونية، خاصة في القطاعات الغذائية والحرفية والخدمية.
مستقبل التسويق الرقمي في سوريا واعد لكنه يتطلب بناء بيئة تعليمية ووضع تشريعات تنظيمية لحماية المستهلك وضمان شفافية الإعلانات
من جهة أخرى، يُمكن استهداف السوريين في الخارج بحملات إعلانية مدروسة لشراء منتجات محلية أو الاستثمار في مشاريع داخل سوريا، ما يُعزز من تدفق رأس المال ويعيد بناء جسور اقتصادية بين الداخل والخارج.
التحدّيات التقنية
رغم الفرص الواعدة، تواجه المؤسسات السورية تحدّيات تقنية لا يمكن تجاهلها، يوضحها الدكتور قوشجي من حيث ضعف البنية التحتية الرقمية، وعدم استقرار الإنترنت في بعض المناطق، وهذان يشكلان عائقاً أمام الاستخدام الفعّال للإعلانات الممولة، كما أن نقص الخبرات المحلية في إدارة الحملات وتحليل البيانات، يتطلب برامج تدريبية مكثفة، إلى جانب صعوبة الدفع الإلكتروني- رغم إعادة الاتصال بنظام SWIFT- ما زال قائماً بسبب حاجة البنوك المحلية لتحديث أنظمتها إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على أدوات أجنبية قد يخلق فجوة معرفية في فهم خوارزميات الاستهداف والتحسين، ما يستدعي تطوير أدوات محلية أو تعريب الأدوات العالمية.
طرق الاستفادة
وحول سؤالنا عن كيفية استفادة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الإعلانات الممولة في خدمة أهدافها؟ أجاب قوشجي: يُمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تستفيد من هذه الإعلانات بشكل فعّال من خلال البدء بحملات صغيرة لاختبار الجمهور والرسائل التسويقية، واستخدام أدوات مجانية لتحليل الأداء، كما أن الاستفادة من المحتوى المحلي، مثل الصور والفيديوهات والقصص الواقعية، يخلق تفاعلاً حقيقياً مع الجمهور، ويُعزز من مصداقية العلامة التجارية، والتعاون مع مؤثرين محليين يُمكن أن يكون وسيلة فعّالة لزيادة الوصول بتكلفة منخفضة، خاصة في ظل محدودية الموارد لدى هذه المؤسسات.
مستقبل التسويق
يرى الخبير قوشجي أنّ مستقبل التسويق الرقمي في سوريا واعد، لكنه يتطلب بناء بيئة تعليمية لتدريب الكوادر على أدوات الإعلان والتحليل، ووضع تشريعات تنظيمية لحماية المستهلك وضمان شفافية الإعلانات، كما أن دمج القيم الأخلاقية والدينية في المحتوى التسويقي يُعزز من الثقة ويمنع الاستغلال، ويخلق نموذجاً تسويقياً يتماشى مع الخصوصية الثقافية والاجتماعية للسوق السوري،. بالمحصلة في ظل رفع العقوبات، تقف سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصادها الرقمي من الداخل، وتحويل التسويق من نشاط هامشي إلى رافعة تنموية حقيقية.