الإهمال العاطفي للأطفال يترك ندوباً نفسية عميقة ..خبيرة تربوية: هناك شكل آخر للعنف الأسري هو الإهمال العاطفي والصمت والتجاهل 

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية– فردوس دياب:

عندما يهمل الوالدان طفلهما عاطفياً، ينشأ ويكبر وهو مقتنع بأنه غير مهم وبأن مشاعره لم تعنيهما، لأنه افتقد اهتمامهما بأحاسيسه في اللحظات التي كان يحتاج فيها إلى دفء تعاطفهما معه، وهو ما أثر بشكل مباشر في شخصيته وسلوكياته، وجعل منه شخصاً غير واثق بنفسه أو شخصاً يسعى لإرضاء الآخرين خوفاً من التجاهل.

كيف يسبب التجاهل والإهمال العاطفي جروحاُ نفسیة عمیقة عند أطفالنا، وكيف ينعكس ذلك على شخصیتھم وتفكیرھم وسلوكھم على المدى الطویل؟.. الإجابات عن تلك الأسئلة وغيرها، كانت محور لقاء صحيفة “الحرية” مع الدكتورة سهير الحكيم الأستاذة في علم النفس التربوي في كلية التربية بجامعة دمشق.

كلمة تصنع فرقاً

الدكتورة الحكيم بدأت حديثها بسرد قصة واقعية تحدث يومياً بين الأهل وأبنائهم من دون قصد، ومن دون معرفة بنتائجها وآثارها على أبنائهم في الحاضر والمستقبل، حيث شاهدت طفلاً في إحدى الأماكن العامة يركض نحو أمه وهو مفعم بالحماس والنشاط والشغف ليخبرها خبراً مهماً بنظره، لكنها للأسف لم تلق له أي انتباه، بل حتى لم تلتفت إليه بسبب انشغالها بحديث جانبي، في وقت كان يبحث فيه عن مستمع وحضن دافئ وهو ما كان یتمناه من أمه  التي كان یعتبرھا سنده وداعمته، لقد كانت مشاعر الإحباط والحزن ظاهرة عليه بشكل واضح، وبعد لحظات عاد إلى أمه مرة أخرى، لكن هذه المرة وقف صامتاً من دون أن یتحدث إلیھا، لا أعرف بالضبط لماذا فعل ذلك، لعله یحاول التكیف مع صدمته التي يمكن أن تتحول الى مشكلة نفسية وسلوكية كبيرة في حياته إن كرر الأهل معه ذلك الأمر.

عنف مقنع

وأوضحت الحكيم أن معظم الناس ينظرون غالباً إلى العنف الأسري على أنه عنف جسدي، إلا أن هناك شكلاً آخر للعنف الأسري، أكثر أثراً على المدى الطويل، هو “الإهمال العاطفي”، “الصمت “، “التجاهل”، وهي كلمات غير منطوقة تخبر الطفل أنه غير مرئي وغير مهم، فينشأ من دون أن يعي قيمته الحقيقية، ويفقد الإحساس بالمتعة والفخر بنفسه حتى في أكثر مواقف الإنجاز والنجاح في حياته، يمضي حياته حاملاً معه بطاقة تعريفية غير مرئية مكتوب عليها: ” أنت لست جدير بالمحبة ولا تستحق الاهتمام والتقدير”.. أثر هذا العنف المقنّع يظهر في ثقته بنفسه، وعلاقته بأسرته، وعلاقاته المستقبلية التي قد يشوبها التعلق غير الصحيّ والذي يزيد من انخفاض تقديره لذاته.

الحب والأمان

وحتى نتفادى هذا كله ولا نضع أنفسنا وأطفالنا ضمن دائرة التجاهل العاطفي، تشرح الأستاذة الجامعية بعض الإستراتيجيات التي يقوم بها الأهل لكسر هذه الدائرة وبناء تواصل صحي مع أبنائهم، ومن أهمها تخصيص وقت للجلسات العائلية بمعدل 15-30 دقيقة يومياً، للحديث إلى الطفل من دون مشتتات (لا هاتف، لا تلفاز)، وجعل هذا الوقت مقدساً مهما كان الأب أو الأم مشغولين، حتى لو قبل النوم أو أثناء تناول وجبة معه، وكذلك التواصل البصري واللمسي فالنظر إلى عيون الطفل عندما يتحدث، يشعره أنه حاضر، وكذلك الاحتضان، والتربيت على كتفه، والإمساك بيده، لأن ذلك يخلق شعور بالحب والأمان.

ومن الأمور المهمة التي تخرج الطفل من حالة التجاهل العاطفي، بحسب الحكيم مشاركته أحداثه اليومية وبعض أنشطته، والاستماع إليه من دون نقد أو إعطاء حلول، أي أن ندعه يفصح عن مشاعره، ونسأله كيف كان يومه، فالطفل عندما يخبرك مشاكله لا يريد منك حلولاً، بل يريد أن تستمع إليه وتتعاطف معه.

بالجودة والمضمون

وأكدت الأستاذة في علم النفس على أهمية مشاركة الطفل في اتخاذ القرارات العائلية البسيطة، كالمكان الذي يودون الذهاب إليه في يوم العطلة، أو نوع وجبة الغداء، ورأيهم في اختيار وتنسيق الألوان في اللباس، وكذلك التعامل والتواصل واللغة التي تستخدمها معه، فلا يجب أن يكون التعامل معه على أنه طفل صغير بل على أنه كبير قادر على تحمل المسؤولية والمهام الموكلة له.

الحكيم ختمت حديثها بالقول: إن الأطفال يتعلمون كيف يعاملون أنفسهم من خلال الطريقة التي يعاملهم بها أهلهم، وأن التواجد مع الأبناء يكون بالجودة والمضمون وليس بعدد الساعات.

Leave a Comment
آخر الأخبار