الحرية- إدريس مراد:
تُعرّف الافتتاحية في الأوبرا بأنها مقطوعة موسيقية تعزف في بداية العمل الأوبرالي قبل بدء الغناء أو الأحداث الدرامية. وهي ليست مجرد مقدمة، بل تحمل وظائف فنية ودرامية مهمة، إذ تُعدّ تمهيداً موسيقياً لمضمون العمل ككل، سواء كانت الأوبرا كوميدية أم تراجيدية. في كثير من الأحيان، تحتوي الافتتاحية على ألحان يُعاد استخدامها لاحقاً في الأوبرا، كما تخلق جسراً موسيقياً من الواقع إلى عالم الحكاية. وقد انتشرت الافتتاحيات المنفصلة عن القصة بشكل أكبر في عصر الباروك، حيث كانت تُعزف أحياناً بمعزل عن العمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الافتتاحيات المميزة تُعزف حتى اليوم من قبل فرق أوركسترالية عالمية كمقاطع موسيقية مستقلة، مثل افتتاحية “زواج فيغارو” لموتزارت و”حلاق إشبيلية” لروسيني.
تعطي الافتتاحيات للمتلقي فكرة عن نوع الأوبرا كوميدية كانت أم تراجيدية
مراحل تطور الأوبرا
منذ نشأتها في أواخر القرن السادس عشر في إيطاليا، مرت الأوبرا بعدة مراحل رئيسية تأثرت بالتغيرات الثقافية والفنية في أوروبا، وتطورت من مرحلة إلى أخرى. في عصر التأسيس، كانت الأوبرا محاولة لإحياء الدراما الإغريقية القديمة، بينما في عصر الباروك، استخدم مؤلفوها الزخرفة الصوتية والآلات الموسيقية الغنية، وبدأ استخدام الأزياء والريكيتاتيف. تميزت هذه المرحلة أيضاً بالأناقة والبذخ في العروض، ومن أبرز مؤلفيها هاندل وسكالرلاني وكوبران.
أما المرحلة الكلاسيكية، فقد جاءت سماتها ببساطة الألحان وتوازنها، حيث ركزت على الدراما الموسيقية أكثر من الزخرفة. كما تميزت بتطور الأوبرا الكوميدية، ومن أبرز مؤلفي هذه المرحلة موتزارت. واستمر تطور الأوبرا في العصر الرومانسي، حيث أصبح التعبير العاطفي أقوى والأسلوب الدرامي أكثر إحكاماً، وبدت الأوركسترا أكثر تعقيداً، فضلاً عن زيادة زمن العرض والغنى الدرامي. ومن أهم مؤلفي هذه المرحلة فيردي وفاغنر وبيزيه.
أما موسيقا العصر الحديث والمعاصر، أو لنقل موسيقا القرن العشرين، فقد تميزت بتنوعها في أساليب التأليف، بدءاً من الانطباعية وصولاً إلى التعبيرية والأعمال التجريبية. تم إدخال التكنولوجيا في العروض، وتمّ تناول مواضيع حديثة ومعاصرة. ومن مؤلفي العصر الحديث نذكر بوتشيني وبيرج وغلاس.
مرت الأوبرا بعدة مراحل رئيسية تأثرت بالتغيرات الثقافية والفنية في أوروبا
افتتاحيات مميزة
خلال تلك المراحل، تابعت افتتاحية العمل الأوبرالي تطورها، ومن أهم الافتتاحيات نذكر افتتاحية أوبرا “ويليام تل” التي كتبها جواكينو روسيني. تنقسم الافتتاحية إلى أربعة أجزاء، حيث يحمل الجزء الأول عنوان “الفجر في جبال الألب”، وهو موسيقا هادئة استخدم فيها روسيني آلة التشيللو المنفرد، مجسداً شروق الشمس وسط الجبال الهادئة في سويسرا. أما العنوان الثاني “العاصفة”، فهو موسيقا درامية تمثل عواصف طبيعية قوية، استخدمت فيها الآلات النحاسية والوتريات.
في الجزء التالي “رعي الأغنام”، اعتمد المؤلف على لحن شعبي ريفي جميل يمثل مشهد الرعاة، مستخدماً آلة الكورنو الإنجليزي بطريقة ناعمة. وجاء القسم الأخير من افتتاحية أوبرا “ويليام تل”، المعروف أيضاً باسم “المسيرة النهائية – موكب الفرسان”، كجزء مميز وسريع الإيقاع، مليء بالحيوية، وقد اشتهر جداً واستخدم في العديد من الأفلام والبرامج، مثل مسلسل “الحارس الوحيد”. حتى أن الافتتاحية أصبحت أكثر شهرة من الأوبرا ذاتها.
الافتتاحيات في عصر التأسيس محاولة لإحياء الدراما الإغريقية القديمة
افتتاحية فيديليو
تعدّ افتتاحية أوبرا “فيديليو” واحدة من أبرز أعمال المؤلف لودفيغ فان بيتهوفن، وهي الأوبرا الوحيدة التي كتبها بيتهوفن في حياته. تُعرف الافتتاحية باسم “ليونوره رقم 3″، وقد ألف بيتهوفن أربع افتتاحيات مختلفة لهذه الأوبرا، أشهرها وأكثرها تأثيراً هي ما ذُكرت. تُؤدى أحياناً كقطعة منفصلة في الحفلات الأوركسترالية نظراً لقوتها الدرامية وبنيتها السيمفونية المتكاملة، وتحتوي على تمهيد درامي يعكس روح النضال والتحرر، حيث تُعطى الأبواق مساحة واسعة فيها.
تتناول الأوبرا بشكل عام موضوع السجن السياسي غير العادل، والإخلاص المتفاني الذي لا يمكن زعزعته، ما يتناسب تماماً مع إيمانه العاطفي بالحرية السياسية، والقوة الكونية للإخاء والحب الإنسانيين.
افتتاحية أوبرا “زواج فيغارو” هي واحدة من أكثر الافتتاحيات شهرة وبهجة في تاريخ الأوبرا، وهي من تأليف العبقري موتزارت. تتميز هذه المقطوعة بأنها سريعة وحيوية، ولا تحتوي على أي اقتباس من ألحان الأوبرا نفسها، لكنها تمهد للمزاج الكوميدي والمليء بالحيوية الذي يميز الأحداث، ما يعطي إحساساً بالحركة والارتباك والمكائد، تماماً كما في الحكاية.
في العصر الرومانسي كان التعبير العاطفي أقوى والأسلوب الدرامي أكثر إحكاماً
تتسم الافتتاحية بأسلوب كلاسيكي يتضمن تناسقاً بين اللحن والإيقاع، مع طاقة مسرحية مميزة، ومدتها حوالي أربع دقائق.
فاوست
افتتاحية أوبرا “فاوست” هي واحدة من أشهر المقدمات الأوبرالية في المدرسة الرومانسية الفرنسية، من تأليف شارل غونو. تتميز هذه الافتتاحية بطابعها الدرامي والتأملي والمهيب، حيث تعكس الصراع بين الخير والشر والقدر والخلاص. تبدأ بمقدمة هادئة تعكس روح فاوست المتعبة وتفكيره العميق في مغزى الحياة، ثم تنتقل إلى قسم أكثر حيوية وتوتراً، يلمح إلى القوى الشريرة التي تلعب دوراً في القصة، مثل “مفيستوفيليس”. تتميز الأوركسترا في هذه الافتتاحية باستخدام الآلات الوترية والنحاسية، ما يضفي جواً غامضاً ومهيباً.
وهناك العديد من افتتاحيات الأوبرا التي تركت بصمة في الساحة الأوركسترالية العالمية، مثل “لاترافياتا” لفيردي، وافتتاحية أوبرا “يوجين أونيغين” لتشايكوفسكي، وأوبرا “حلاق إشبيلية” لروسيني.