الحرية – رنا بغدان:
يعد البيمارستان النوري من أهم المباني الدمشقية التاريخية التي سبق أن تواجد فيها مشفى ومدرسة للطب، فهو أحد ثلاثة “بيمارستانات” شُيدت في دمشق، مدرسة طبية مرموقة تخرَّج منه وتعلَّم كبار الأطبَّاء مثل ابن سينا والزهراوي وابن النفيس وابن أبي أصيبعة وكان أول أطبائه الطبيب محمد بن عبد الله المظفر الباهلي المتوفي سنة 570 هـ.. ذلك قبل أن يصبح أحدَ أشهر المشافي ومدارس الطبِّ والصيدلة في البلاد الإسلامية. ويضم مكتبة تشتمل على مجموعة من الكتب العلمية والطبية والصيدلانية والمؤلفات والمجلات والدراسات التي تبحث في التراث العربي الإسلامي.. وقد وصفه ابن جبير حين زاره في القرن الثاني عشر فقال: “الأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى، ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق بكل إنسان منهم”.
يتربع البيمارستان جنوب غرب الجامع الأموي شرق سوق الحَمِيدية وسط مدينة دمشق القديمة في منطقة الحريقة، بناه الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عام 543هـ/1154م, واشترط في وقفه أن يكون مخصصاً للفقراء والمساكين كي يتلقوا الدواء والغذاء والكساء مجاناً، وأوقف عليه جملة كبيرة من الكتب الطبية إضافة إلى تدريس وإعداد الطلاب ليكونوا أطباء، وقد عمل في الطبابة فيه أشهر الأطباء العرب، ويعتبر أول مشفى يبدأ في الاحتفاظ بالسجلات الطبية لمرضاه، ويتسع لألف وثلاثمائة سرير.
وقد كان الأطباء يفدون إليه من كل البلاد، ولا يمنع منه الأغنياء، في حال فقدان الأدوية خارجه.
وتذكر بعض المصادر التاريخية أن المسلمين أسروا أحد ملوك الفرنج، وعند استشارة نور الدين لمجلس أعيانه، تم الاتفاق على أن يُفك أسر هذا الملك مقابل فدية مالية تصرف في بناء البيمارستان ليكون مشفى، كما تشير بعض الكتابات التاريخية المنقوشة فيه إلى تعرضه خلال حقب تاريخية طويلة إلى تغييرات وتعديلات وترميمات عديدة.. إلى أن تمّ ترميم بعض أجزائه في الفترة المملوكية أيام السلاطين الملك الظاهر بيبرس، قلاوون، الناصر محمد. واستمر البيمارستان على وضعه هذا حتى أوائل القرن الرابع عشر وانتهى عصره بعد بناء المشفى الجديد بدمشق.
تحول البيمارستان سنة 1318 هـ إلى مدرسة للبنات في عهد السلطان عبد الحميد، وفي سنة 1358 هـ تحول إلى مدرسة تجارية حتى رمم أخيراً عام 1396 هـ وأصبح “متحف الطب والعلوم عند العرب” بعد أن أعادت ترميمَه المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1978م. ويعد أولَ مشفى إسلامي تحوَّل إلى متحف.
ويضم المتحف أربع قاعات رئيسية هي:
قاعة العلوم:
يعرض فيها أهم الأدوات العربية واللوحات الفنية التي تذكر بتطور العلوم عند العرب.
قاعة الصيدلة:
حيث يعرض فيها نماذج تمثل الأدوات والأجهزة التي كان يقوم العلماء العرب بواسطتها بمزج ودق وتركيب الأدوية المستخرجة من الأعشاب الطبية.
قاعة الطب:
تحوي على مخطوطات ولوحات ورسوم طبية ونماذج لأدوات جراحية مأخوذة من كتاب الزهراوي، بالإضافة إلى مقتنيات لها علاقة بالطب الروحي وأدوات الشراب والغذاء.
قاعة الطيور والحيوانات المحنطة:
وهي تعليمية أكثر منها أثرية، إذ تحتوي على نماذج حديثة لطيور وحيوانات متنوعة محنطة، وهذا يشير إلى اهتمام العرب بعلم الحيوان وفن البيطرة.
عدا عن أقسامه الطبية يتميز البيمارستان بطرازه المعماري الجميل وهندسته وواجهاته وزخارفه ومداميكه وأقواسه ومقرنصاته وتيجانه وفسيفسائه الرخامية.. كما يتميز بمقرنصات داخلية وخارجية تغطي قبَّته الحمراء المنفذة من الآجُرِّ على الطِّراز الرافدي والمزوَّدة بالزجاج الغامق والتي تعتبر مع قبة تربة نور الدين القريبة من البيمارستان مثالين فريدين في العمارة السورية.