الشيباني في بكين.. التحدي الاقتصادي يقود المسار السياسي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية ــ مها سلطان:

مع نهاية لقاء وزير الخارجية أسعد الشيباني مع نظيره الصيني وانغ يي في بكين، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً مهمّاً حرصت فيه على حسم مسألتين أساسيتين كانتا مثار جدل طويل وشائك ومتشابك طيلة الأشهر الماضية ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، الأولى اقتصادية «ملف إعادة الإعمار» والثانية ميدانية/عسكرية «ملف المقاتلين الإيغور».
كثيراً ما ركّز الخبراء الاقتصاديون على أن المسألة الثانية تشكل عقبة كأداء في طريق المسألة الأولى، وإذا لم يتم حسمها فإن العلاقات ستبقى تراوح في مرحلة الحذر والتردّد من جهة الصين، وفي مرحلة يمكن تسميتها «علاقات ما بين بين» من جهة سوريا، بمعنى البقاء ضمن سياسة المحافظة على علاقات محسوبة، إن جاز التعبير.
ولكن ما بين سوريا والصين كان هناك مسار واضح ومعلن، خصوصاً خلال الشهرين الماضيين، يؤكد أنهما تريدان تأسيس علاقات جديدة على قواعد متينة ومتوازنة تراعي المصالح والمنافع المشتركة، وعلى قاعدة الاقتصاد الذي سيقود العلاقات الجديدة باتجاه علاقات سياسية وأمنية أقوى.
ووفق بيان وزارة الخارجية الصينية فإن الصين جاهزة لبحث المشاركة في إعادة إعمار سوريا اقتصادياً، وجاء هذا «البند» كأولوية، تبعه تطرّق البيان إلى أن سوريا «تعهدت بعدم السماح لأي كيان باستخدام أراضيها للإضرار بمصالح الصين».
لا شك أن أي علاقات اقتصادية بين دولتين أساسها أمني وسياسي، بحيث تمتنعان عن أي فعل يمثل تهديداً أمنياً، وصولاً إلى مستوى الشراكة في الدفاع إلى جانب الشراكة في الاقتصاد، وهي الرسالة التي أراد بيان الخارجية الصينية التركيز عليها، كما يظهر من لغة البيان.
غير خافٍ على أحد أن أي حديث عن الصين هو حديث اقتصاد بالدرجة الأولى، وسوريا لا تخفي توجهها الاقتصادي في علاقاتها الدولية، خصوصاً مع الصين. والصين بدورها تدرك ذلك وتعمل على تعزيز دورها الاقتصادي في سوريا، باعتبارها أرض فرص استثمارية كبيرة، إلى جانب كونها موقعاً محورياً ضمن مشروع «الحزام والطريق» الصيني. لذلك من الطبيعي أن تلاقي الصين التوجّهات السورية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، وأن تعمل على تذليل العقبة الأمنية (الإيغور) في سبيل تيسير العلاقات الاقتصادية.
لنذكر هنا أن الشيباني، عندما أعلن عزمه زيارة الصين قبل نحو شهر من الآن (تلبية لدعوة من بكين)، ربط هذه الزيارة بـ«الضرورة الاقتصادية الملحّة». وقال في مقابلة مع قناة «الإخبارية» السورية: «سوريا بحاجة إلى الصين في هذه المرحلة من أجل إعادة الإعمار».
صحيح أن الصين كانت (مع روسيا) أبرز الداعمين للنظام السابق، إلا أن بناء العلاقات بين الدول دائماً ما يكون بنظرة مستقبلية استراتيجية تعطي الأولوية للفرص القائمة وليس للماضي الذي ينعكس سلباً على البلدين؛ فكيف ونحن نتحدث عن سوريا التي خرجت من حرب كارثية امتدت 14 عاماً، وتسعى للخروج من حصار العقوبات المدمر، والذي قد يختتم فصله الأخير في حال تم إلغاء قانون قيصر قبل نهاية العام الجاري، وفق ما هو مأمول ومتوقّع.
من نافل القول إن خروج سوريا من حصار العقوبات سينعكس إيجاباً على مسار علاقاتها مع الدول، خصوصاً الاقتصادية، وتالياً سينعكس على العلاقات مع الصين ودورها في مرحلة الإعمار والتنمية في سوريا.
ووفق الشيباني في مقابلته مع قناة «الإخبارية» آنفة الذكر، فإن القيادة السورية «أعادت تصحيح العلاقة مع الصين التي كانت تقف سياسياً إلى جانب نظام الأسد البائد وتستخدم الفيتو لصالحه».
كان هذا مؤشراً ورسالة سبقت زيارة الشيباني الحالية للصين، في إطار الرؤية الدبلوماسية التي تعتمدها «سوريا الجديدة» لاستعادة مكانتها في المحافل الدولية بعيداً عن سياسات الاستقطاب والمحاور، وبما يجعل الإعمار والتنمية هدفاً رئيسياً.
وعملياً لم تكن الصين بعيدة عن هذه الرؤية إذا ما أخذنا أنها كانت تتواجد بصورة اقتصادية مكثفة في مناطق الشمال، حيث سجّلت الشركات الصينية حضوراً بارزاً في مجالات حيوية عدة، وليس هناك ما يمنع هذه الشركات من توسيع دورها، وعليه فإن الدور الاقتصادي في عملية الإعمار والتنمية له ما يسنده على الأرض.
بكل الأحوال، زيارة الشيباني للصين لا تأتي من فراغ، ولن تنتهي دون نتائج ملموسة، أقله على مستوى تفاهمات أولية لبدء التعاون الاقتصادي المأمول. وبعد انتهاء الزيارة ربما يكون هناك حديث آخر أوسع لناحية مخرجاتها، حيث تبدو المؤشرات الظاهرة إيجابية ومشجعة.

Leave a Comment
آخر الأخبار