الحرية- لوريس عمران:
تعيش سوريا في السنوات الأخيرة حالة اقتصادية خانقة انعكست على مختلف شرائح المجتمع، فمع تراجع القدرة الشرائية وغياب فرص العمل وضعف الأمان المالي، وجد كثير من المواطنين أنفسهم أمام واقع اقتصادي قاسٍ يدفعهم إلى البحث عن أي منفذ لتأمين دخل إضافي.
في هذا السياق برزت ظاهرة خطيرة تمثّلت في انتشار تطبيقات ومنصّات إلكترونية تقدّم نفسها بوصفها “فرصاً استثمارية” أو “مشاريع للربح السريع” بينما هي في حقيقتها مخططات احتيالية منظمة تستغل اليأس الاقتصادي لتكديس الأموال ثم التلاشي المفاجئ، تاركةً وراءها ضحايا وخسائر فادحة.
قمار رقمي
من بين هذه الظواهر برز في الآونة الأخيرة بمحافظة اللاذقية تطبيق “iChancy” الذي يعتمد نموذجاً يقوم على “الفرصة والحظ” في تحديد الأرباح ، ورغم المظهر التقني الجذّاب الذي يتخذه التطبيق، إلا أنّ جوهر عمله يقوم على آلية شبيهة بأنشطة القمار، حيث يدفع المستخدمون مبالغ مالية مقابل احتمالات غير محددة أو مدروسة اقتصادياً من دون أي نشاط إنتاجي حقيقي أو قيمة مضافة تبرّر تلك الأرباح الموعودة.
من الناحية الاقتصادية أشار الخبير الاقتصادي الدكتور حسام خليلو إلى أنه يمكن تصنيف هذه المنصات ضمن ما يُعرف بـ المخططات الهرمية أو أنظمة البونزي، وهي نماذج تعتمد على تدفق مستمر للأموال من الداخلين الجدد لتغطية أرباح السابقين.
مؤكداً أنه مع انقطاع تدفق المشاركين الجدد ينهار النظام فجأة، ويختفي القائمون عليه ومعهم رؤوس أموال المودعين.
وأوضح الدكتور خليلو أن ما يفاقم خطورة هذه الظاهرة أنّ كثيراً من المستخدمين لا يكتفون بالمبالغ الصغيرة، بل يلجأ بعضهم إلى بيع ممتلكاتهم أو رهن منازلهم طمعاً بعوائد خيالية، الأمر الذي يحوّل الخسارة من قضية فردية إلى أزمة اجتماعية واسعة.
لافتاً إلى أن انتشار مثل هذه التطبيقات لا يمكن فصله عن البيئة الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها السوريون. فحين تُستنزف المدخرات ويغيب الأمل بتحسن واقعي للدخل، يصبح الوعد بالربح السريع — ولو كان وهماً — أكثر إغراءً من أي مشروع حقيقي. بالإضافة إلى أن الحالة النفسية الجماعية تشكل أرضاً خصبة لنجاح الخطط الاحتيالية، وتمنح القائمين عليها فرصة لتنمية أنشطتهم تحت عناوين الاستثمار والتداول الرقمي.
المعالجة
وأكد خليلو أن المعالجة المطلوبة لا تقتصر على الجانب القانوني فحسب، بل تتطلب استراتيجية وطنية للتوعية المالية، تبدأ من المناهج التعليمية مروراً بالإعلام وتنتهي بتشريعات رادعة.
مضيفاً: التقنيات الرقمية الحديثة باتت قادرة على تجاوز الحدود، ولا يمكن مواجهتها إلا بإطار مؤسساتي منظم يوفّر الحماية للمستهلكين ويكشف الخداع قبل أن يتفشى.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن الإعلام الاقتصادي يتحمل مسؤولية مضاعفة في تسليط الضوء على هذه الظواهر مبكراً، وعدم الاكتفاء بتغطية الكوارث بعد وقوعها.
التجارة الإلكترونية
في ختام حديثه بين خليلو أن المبدأ الاقتصادي يظل ثابتاً فكل مشروع يعد بعوائد مرتفعة وسريعة و«مضمونة» من دون وجود نشاط إنتاجي حقيقي، هو بطبيعته مشروع مشبوه، بالإضافة إلى أن التطبيقات التي تقوم على الحظ أو الاحتمالات فهي ليست سوى نسخ رقمية من القمار، بل أشد خطراً لأنها تتخفّى خلف واجهات الاستثمار والتجارة الإلكترونية، فتمنح الوهم مظهراً شرعياً مضللاً.
إنّ إنقاذ المجتمع من هذه الموجة الاحتيالية يبدأ من بناء ثقافة مالية رشيدة، تحصّن الأفراد من الوقوع في فخ “الربح السريع” وتعيد الاعتبار إلى قيم العمل والإنتاج كسبيل وحيد ومستدام للنهوض الاقتصادي.