الحرية – سامي عيسى:
ضغوط كثيرة تتعرض لها ” الليرة” في الظروف الحالية مما دفع الى التفكير بالتعويم المدار لليرة السورية ، تخللها خلال حقبة النظام البائد ظروف اقتصادية صعبة، ارتبطت لسنوات بأهل الفساد، والمصالح الشخصية، إلى أن جاءت لحظة التغيير والتحرير، وبدأت الحكومة باتخاذ جملة من الإجراءات للتخفيف من الضغوط على الليرة، وتحسين قوتها أمام العملات الأجنبية، إلا أن بعض الضغوطات مازالت مستمرة، رغم تخفيف العبء الخارجي، بسبب الحالة الاقتصادية العامة، وضعف القوة الشرائية، وتذبذب أسعار الصرف وغيرها.
أحمد: المطلوب ليس فقط “إدارة التعويم”، بل “إدارة الثقة”
حالة من الجدل
وهنا يرى الباحث الاقتصادي الدكتور ” شادي أحمد ” جدية الحكومة في اتخاذ مجموعة تدابير وإجراءات تكفل تحسين واقع الليرة وفق معادلة اقتصادية تكون مؤسسة لمرحلة قادمة، تنتعش فيها مع إجراءات التحسين، ويضيف أن تصريح “حاكم مصرف سوريا المركزي” حول التعويم المدار لليرة أثار جدلاً واسعاً، ليس فقط بين المواطنين، بل حتى بين المختصين، والمفهوم نفسه ما زال غامضًا لكثيرين، خاصة في ظل الواقع الاقتصادي المعقد.
صحيفة “الحرية” حاولت الاستفسار من الباحث الاقتصادي” أحمد” عن التعويم المدار لليرة، وما تأثيره المحتمل على حياتنا اليومية من جهة واقتصادنا الوطني من جهة أخرى؟
حل وسط
فالتعويم المدار في رأي ” أحمد” هو حل وسط بين نظامين: الأول حر حيث تُترك العملة، لتحدد قيمتها حسب العرض والطلب، دون تدخل من البنك المركزي، والثاني التثبيت الصارم وهنا ترتبط العملة بعملة أجنبية أو بسلة عملات، والبنك المركزي يضمن هذا الربط.
أما التعويم المدار، فيسمح للبنك المركزي بالتحرك بين الاثنين: يترك سعر الصرف يتقلب حسب السوق، لكن يتدخل عند الضرورة لتجنب الانهيارات أو ارتفاعات غير مبررة.
تساؤلات
أما فيما يتعلق بفك الارتباط بالعملات الأجنبية، وفق تصريح حاكم مصرف سوريا المركزي فقد أثار الكثير من التساؤلات من قبل المهتمين بالشأن الاقتصادي وغيره، وخاصة ما يتعلق بالتساؤل الأقوى، في حال لم ترتبط الليرة بعملة أو بسلة عملات، فما الذي سيضمن استقرارها؟
” أحمد” يقول في الاقتصادات القوية، تستمد العملة قوتها من الإنتاج والصادرات والقدرة التنافسية، أما نحن في سوريا، مع ضعف الإنتاج، ومحدودية الموارد، وتقلص احتياطي القطع الأجنبي، فالمعيار الذي يحدد حركة الليرة غامض جدًا.
وباختصار: التعويم المدار يحتاج أدوات قوية، واحتياطات نقدية، وسياسات تجارية، وشفافية في السوق، وهي أشياء محدودة حاليًا.
توقعات
لكن وفق ما تم ذكره هناك توقعات وتداعيات كثيرة، قد تحصل خلال المرحلة المقبلة، وخاصة على حياتنا اليومية، والكلام للخبير ” شادي” ويضيف أي تقلبات حادة في سعر الصرف، تعني ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ما يزيد الضغوط على المواطنين، وعلى المؤسسات، فإن إدارة نظام جديد لسعر الصرف، تحتاج وضوح وشفافية القرارات الغامضة، قد تحول النظام النقدي إلى ساحة للمضاربات.
أما على المستوى الاستراتيجي: فغياب الربط بالعملات قد يبدو تحررًا، لكنه يعرّض الليرة لمخاطر الانزلاق الحر، خصوصًا دون اقتصاد قوي يدعمها.
أجوبة واضحة
وبالتالي التعويم المدار يتطلب سوق عملة نشطاً واحتياطيات قوية، ونحن في سوريا، الواقع يعكس اقتصادًا منهكًا وعملة هشة، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات المهمة في مقدمتها: كيف سيدير البنك المركزي التعويم، وما حجم الاحتياطي المتاح للتدخل؟
والأهم كيف سيضمن استقرار الأسعار، وسط هشاشة الاقتصاد، والمشكلات التي يعاني منها ؟ فهذه تحتاج أجوبة واضحة، وخاصة أن التعويم المدار ليس مجرد مصطلح فني، بل سياسة نقدية معقدة، ونحن في سوريا، المضي بهذا الطريق دون إطار واضح وشفاف قد يزيد حالة عدم اليقين.
وبرأي ” أحمد” المطلوب ليس فقط “إدارة التعويم”، بل “إدارة الثقة” : ثقة المواطن بالليرة، ثقة المستثمر بالاقتصاد ، وثقة المجتمع بأن السياسات النقدية ليست مجرد وعود مؤجلة.