الحرية_ رشا عيسى:
أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية مؤخراً خلال حديث صحفي عن التوجّه نحو تطبيق نظام “التعويم المدار” لليرة السورية، كمرحلة تالية بعد توحيد أسعار الصرف، هذا التصريح يُعدّ تحولاً في السياسة النقدية ويستدعي الوقوف عنده بهدوء وواقعية.
د. كعده: التعويم المدار يسمح لسعر الصرف بالتحدد عبر العرض والطلب مع احتفاظ المركزي بحق التدخل عند الحاجة
ويشرح الأكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور عباس رشيد كعده لصحيفتنا ” الحرية” أنه في التعويم المدار، يُسمح لسعر الصرف بأن يتحدد عبر السوق (العرض والطلب)، لكن مع احتفاظ البنك المركزي بحق التدخل عند الحاجة لتوجيه السعر أو الحد من تقلباته، من حيث المبدأ هذا النظام أكثر مرونة من التثبيت الكامل، ويُستخدم في دول كثيرة لتحقيق استقرار تدريجي من دون استنزاف الاحتياطي الأجنبي.
السوق السوداء
لكن في الحالة السورية، لا يمكن تقييم هذا التوجّه بمعزل عن الواقع الفعلي لسوق الصرف كما يوضح الدكتور كعده، حيث لا تزال السوق السوداء تلعب دوراً مركزياً في تحديد السعر، وتتفوّق على القنوات الرسمية من حيث السرعة والجاذبية، إضافة إلى أن الثقة بالمؤسسات النقدية ما زالت محدودة، نتيجة التجارب السابقة وطول أمد تعدد الأسعار، فضلاً عن أنه لا يوجد بعدُ سوق شفافة أو منصة رسمية قادرة على استيعاب الطلب الحقيقي على الدولار من المواطنين والمستوردين.
و عليه يرى كعده أن الاتجاه نحو “التعويم المدار” من دون أدوات تنفيذية واقعية وشفافة، قد لا يؤدي إلى ضبط السوق كما يُؤمل، بل قد يفاقم تقلباتها، خاصة إذا تم التدخل بطريقة متأخرة أو غير مدروسة.
د. كعده: الاتجاه نحو التعويم المدار من دون أدوات تنفيذية واقعية يفاقم تقلبات السوق
وعند سؤال الدكتور كعده، متى تلجأ الدول إلى نظام التعويم؟ أجاب بأن الدول تسلك هذا الاتجاه سواء الكامل أو المدار، عندما تواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة مثل نقص احتياطي العملات الأجنبية، و اختلالات في ميزان المدفوعات، أو فشل سياسات تثبيت سعر الصرف في تحقيق الاستقرار.
التعويم يسمح للسوق بتحديد السعر الحقيقي للعملة، ما يعكس الواقع الاقتصادي بدقة ويحفّز الإصلاحات اللازمة، لكنه بالمقابل يحتاج إلى مؤسسات نقدية قوية وقدرة على التدخل عند الضرورة لضبط التقلبات الحادة.
شروط النجاح
ويبين الدكتور كعده أنه للسير نحو تطبيق التعويم المدار بنجاح، على المصرف المركزي أن يبدأ بخطوات واقعية واستباقية تمهّد لبيئة نقدية مستقرة، مثل:إطلاق منصة رسمية لشراء الدولار من المواطنين بسعر قريب من السوق الموازية، مع سقوف يومية وضوابط دقيقة لمنع المضاربات، وتوفير السيولة بالليرة لتمويل هذا الشراء بدلاً من ضخ الدولار واستنزاف الاحتياطي، ما يساعد على تحريك الدورة النقدية بشكل صحي، وتوسيع قنوات التداول الرسمية ودمج البنوك وشركات الصرافة المرخصة في إدارة الطلب على القطع الأجنبي لزيادة الشفافية، وتعزيز آليات الرقابة على السوق لمنع المضاربات غير المشروعة التي تضر بالاستقرار النقدي، إلى جانب بناء ثقة المواطن والمؤسسات في سياسات المركزي عبر الشفافية المستمرة في الإعلان عن الأسعار والسياسات المتبعة، إضافة إلى تهيئة بيئة اقتصادية تدعم زيادة الإنتاج والتصدير، التي تساهم في تحسين ميزان المدفوعات وتخفيف الضغط على سعر الصرف.
وبموجب ماسبق يمكن للمركزي أن يُعيد بناء الثقة تدريجياً، ويحدّ من دور السوق السوداء من دون الدخول في مغامرة غير محسوبة.
د. كعده: تعزيز آليات الرقابة على السوق لمنع المضاربات غير المشروعة
ليس هدفاً
وحذر كعده من أن التعويم المدار ليس هدفاً بحد ذاته، بل أداة يجب أن تُستخدم في الوقت المناسب وبالشروط الصحيحة، أما إذا أُطلقت في بيئة غير جاهزة، فسيكون الخطر أن يتحوّل “التحرير” إلى “تفلت”، ويفقد المركزي فرصته في استعادة السيطرة.
ولكي يثمر التعويم المدار فعلاً نتائج إيجابية، لا بد من أن يصاحبه تحسّن ملموس في قطاعات الاقتصاد السوري، وخاصة الإنتاج والتصدير، ما يعزز الدخل الحقيقي بالعملة الصعبة، ويقلل الضغط على سعر الصرف. هذا التكامل بين السياسة النقدية والإصلاحات الاقتصادية هو الضامن الوحيد لاستقرار الليرة وتحسين القدرة الشرائية للمواطن.
وكان الحصرية أكد لصحيفة “فايننشال تايمز” أن خطوة البنك المركزي بعد توحيد أسعار الصرف في سوريا ستكون التحول إلى التعويم المدار لليرة، مشيراً إلى أن البنك يستهدف القضاء على دور الصرافين في سوق الصرف السورية بإطار جهود توحيد الأسعار والتحول للتعويم المدار.