“بردى يا حبيبي” حمايته من التلوث والتعديات مسؤولية الجميع.. “المحارب القديم” يحتاج تغييراً في النهج واعتماد سياسات بيئية حقيقية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:
“بردى يا حبيبي ما بتذكر عشرتنا”، بهذه الكلمات عبّر الشاعر عن حبه للنهر الخالد، نهر بردى الذي يمر عبر قلب العاصمة دمشق ليشكل روح المدينة وذاكرتها الحية والشاهد على حضارات توالت على أقدم عاصمة مأهولة في العالم.
ينبع نهر بَرْدَى من سهل الزبداني في ريف دمشق ويتفرّع إلى عدة فروع أشهرها: “بانياس” و”الدايان و”القنوات” التي تخترق مدينة دمشق، ليشكل معها لوحة فنية رائعة من الجسور التاريخية والبساتين الخضراء.
لطالما كان النهر مصدراً للزراعة عبر شبكة ري متقنة ومصدراً للإلهام الفني والأدبي ومعلماً سياحياً يجذب الزوار، وهو رمز للخصب والحياة في منطقة تشتهر بجفافها.
نهر بَرْدَى الذي تغنى به الشعراء ووصف جماله المؤرخون لكن هذا النهر العظيم اليوم يواجه تحديات جمة تهدد وجوده ونقاءه ما يجعل مسألة الحفاظ عليه وصيانته واجباً وطنياً وإنسانياً ملحاً.

استملاك قسري

الخبير في التوازن البيئي وحماية البيئة محمود الهيثم قال لـ”الحرية”: للأسف أصبح نهر بَرْدَى، الذي وصفه نزار قباني بالمحارب القديم في العقود الأخيرة، يعاني من مشاكل خطرة تتمثل في التلوث يُعد التلوث العدو الأول للنهر، وقد عمد النظام البائد إلى استهداف البنية التحتية في مطلع عام 2017، فقد قصفت قوات النظام البائد نبع عين الفيجة المصدر الرئيسي لمياه النهر – بالبراميل المتفجرة، ما أدى إلى تدمير أجزاء من المنشأة المائية وتلويث مياه الشرب في العاصمة دمشق ذاتها.
كما تم الاستملاك القسري، فقد تم إصدار القانون رقم “1” لعام 2018 لتنظيم الحرم المباشر وغير المباشر لنبع عين الفيجة، ما سمح باستملاك مساحات إضافية من الأراضي والعقارات المحيطة بالنبع.

انتشار النفايات والمجاري

تم استخدام الحفاظ على جودة المياه ذريعةً لتنفيذ هذه الإجراءات التي أدت إلى تهجير قسري للسكان ومصادرة ممتلكاتهم من دون تعويض، ولفت الهيثم تلوث النهر من خلال انتشار النفايات والمجاري، فقد تحول مجرى النهر إلى مستنقع للنفايات والمجاري، حيث تلقى فيه نفايات المطاعم العامة ومياه الصرف الصحي دون معالجة، وأدى هذا التلوث إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات ما تسبب في أمراض متعددة للسكان القريبين من النهر.

الانخفاض الكبير في منسوب المياه

كما تغيّر لون المياه شهد النهر تغيرات متكررة في لون مياهه، حيث تحول في إحدى المرات إلى اللون الأحمر بسبب الأمطار الغزيرة التي جرفت معها التراب والطين، وفي مناسبات أخرى إلى ألوان مختلفة نتيجة تلوثه بالمواد الكيميائية والعضوية وانعدام الجودة المائية، وأظهرت دراسة أجرتها وزارة البيئة عام 2013 أن مياه النهر أصبحت “عديمة الجودة، وفائقة التلوث والخطورة على الإنسان والبيئة وعديمة الصلاحية” وقد أدى الانخفاض الكبير في منسوب المياه إلى تحويل النهر إلى مجرد ساقية مليئة بالأوساخ والطحالب.
انتشار الأمراض
وبين أن هناك الكثير من العواقب الإنسانية نتيجة انتشار الأمراض، حيث يعاني السكان المقيمون بالقرب من النهر من تبعات هذا التلوث على صحتهم.
إحدى السيدات من سكان منطقة الربوة قالت: “منزلي مطل على النهر والرائحة المنبعثة منه والحشرات تصيب أطفالي بالأمراض” .
إضافة إلى فقدان مصدر للترفيه بعد تحول النهر الذي كان يمثل متنفساً لأهالي دمشق ومنتزهاً طبيعياً يتنزهون على ضفافه من منطقة عين الفيجة والربوة وصولاً إلى الغوطة، إلى عبء وسبب للمعاناة اليومية.
وأضاف الهيثم: أدى تلوث النبع الرئيسي إلى حرمان أحياء كثيرة في دمشق من مياه الشرب لعدة أيام واضطر السكان لشراء الماء بأسعار مرتفعة أو تجميع مياه الأمطار في أوعية منزلية.
ولفت الهيثم إلى أن حماية نهر بَرْدَى تتطلب جهداً متكاملاً ومستمراً من جميع أطراف المجتمع: الحكومة، المؤسسات المعنية، والمواطنون، وذلك من خلال:
–   معالجة مصادر التلوث (الحل الجذري).
–  تطوير محطات المعالجة، إذ يجب العمل على إنشاء وتحديث محطات معالجة المياه العادمة في دمشق وريفها لضمان معالجة 100% من المياه قبل وصولها إلى النهر.
–  تشديد الرقابة على المصانع وتطبيق قوانين صارمة على المنشآت الصناعية تمنعها من تصريف مخلفاتها في النهر، مع فرض غرامات كبيرة على المخالفين.
–  ولفت إلى أهمية إدارة النفايات الصلبة وتكثيف حملات النظافة على ضفاف النهر، ووضع حاويات كافية، وتنظيم حملات توعوية لمنع إلقاء النفايات.
–  وترشيد الاستهلاك وإدارة الموارد المائية، مؤكداً أهمية تحسين نظم الري وتشجيع المزارعين على استخدام طرق الري الحديثة (الري بالتنقيط) بدلاً من الطرق التقليدية المهدرة للمياه.

وختم بالقول: يمثل تلوث نهر بردى تحت حكم النظام السابق قصة رمزية لتدهور الوضع البيئي والإنساني في سوريا. فتحويل النهر من رمز للجمال والحياة إلى مجرى للمياه الملوثة يعكس الدمور الشامل الذي طال مختلف جوانب الحياة في سوريا ونهر بَرْدَى هو هبة من الله وإرث حضاري وطبيعي ثمين.. حمايته ليست خياراً، بل هي مسؤولية تاريخية أمام الأجيال القادمة. وأضاف إن إنقاذ هذا الشريان الحيوي يتطلب إرادة جماعية حقيقية، حيث تتعاون فيها الحكومة بمؤسساتها مع كل فرد في المجتمع.. فلنعمل معاً، يداً بيد، ليعود نهر بَرْدَى نهراً نظيفاً، متدفقاً، ينشر الحياة والجمال في دمشق، كما كان دائماً رمزاً للعطاء والخير.
مشيراً إلى أن إنقاذ بردى يتطلب أكثر من مجرد مشاريع تنظيف، بل يحتاج إلى تغيير جذري في النهج الحكومي واعتماد سياسات بيئية حقيقية تحمي الموارد الطبيعية كحق أساسي من حقوق الإنسان، وتستعيد لهذا النهر التاريخي مكانته كرمز للجمال والحياة في دمشق.

Leave a Comment
آخر الأخبار