الحرفي “عمر الرواس” يصنع من نوله الخشبي جسراً يعبر بالسجاد الحلبي من ماضيه العريق إلى آفاق معرض دمشق العالمية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- أنطوان بصمه جي:
وسط الأضواء والصخب التجاري لأجنحة معرض دمشق الدولي الثاني والستين، حيث تتصافح عقود البيع والشراء وتتشابك المصائر الاقتصادية، تقف قصة إنسانية مختلفة.
قصة لا تتعلق بالأرقام فحسب، بل بخلاص روح، روح حرفة تراثية عريقة قادمة من مدينة حلب، تحاول أن تمسك بخيوط البقاء في سوق متقلب، متطلعة إلى أن يكون هذا المعرض منفذاً يعبر بها من ماضيها العابق بالأصالة إلى آفاق المستقبل.
مهنة رتي السجاد اليدوي، التي تشارك بحلة جديدة تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر، يحمل مشعلها الحرفي الحلبي عمر الرواس، الذي يعتبر وجهاً مألوفاً في هذه التظاهرة، إذ تبلغ مشاركته الرابعة، لكنها المرة الأولى التي يغمره فيها “تفاؤل حقيقي” كما يصفه، معتبراً أن المعرض قد يكون المنقذَ الحقيقي لحرفته التي لاحقها شبح النسيان والاندثار لسنوات.

بين خيوط الماضي وحلم المستقبل

لا يقتصر عرض الحرفي الرواس على قطع السجاد الحلبي والسوري الفاخر الجديد، التي تخطف الأنظار بألوانها الزاهية ونقوشها المفعمة بالتاريخ، بل يحمل معه إرثاً عريقاً ينقله بحرفية عالية. على نوله الخشبي التقليدي، وبأنامل خبيرة صقلتها السنون، يعيد الرواس الحياة إلى سجاد بالٍ “أكل عليه الدهر وشرب”.
هنا، يدمج خيوطاً من بُسط قديمة بأخرى جديدة، في مزيج أخّاذ يجسّد لقاء الأصالة بالحداثة، وكأنه يخيط جراح الماضي بأمل المستقبل.

صبر وخبرة في مواجهة النسيان

يصنّف الرواس مهنته خلال حديثه لصحيفتنا “الحرية” ضمن “المهن اليدوية التراثية” التي لا تتقنها الأيدي فحسب، بل تتطلب خبرة موروثة وصبراً كبيراً. ويرى أن المشاركة في معرض دمشق الدولي هي “واجب على كل من يمتلك حرفة فريدة”، خاصة أن المعرض يعد من أهم الفعاليات المحلية القادرة على حماية المهن التراثية من تحديات جسام، يأتي في مقدمتها خطر الاندثار، فضلاً عن كونه منصة ثمينة لتسليط الضوء على عراقة هذه المهن بعد سنوات عجاف من الانقطاع بسبب الحرب والحصار الاقتصادي.
ويشدد الحرفي على أن الاعتماد على مثل هذه المعارض أصبح ضرورياً لتسويق المنتج السوري، وهي بوابة مهمة للحفاظ على أصالة الحرف التراثية، كما أنها تجربة فريدة تتيح بناء صورة ذهنية مميزة والتعريف بالحرف التي تواجه صعوبات جمة في البقاء.

دعم واعتراف بالجميل

لم يغفل الحرفي الرواس عن الإشادة بالدعم الذي تقدمه وزارة السياحة للحرفيين، قائلاً: “نشكر وزارة السياحة على اهتمامها بالمهن التراثية، بما في ذلك مهنتي”، معترفاً في الوقت ذاته بالتسهيلات الكبيرة التي قدمتها له، والتي مكنته من المشاركة الفاعلة في دورة هذا العام.

استثمار في المستقبل وربط للثقافات

لكن قيمة المشاركة، في عين الرواس، تتجاوز المكاسب المادية المباشرة إلى كونها استثماراً للمستقبل. فالمعرض يفتح آفاقاً للتعارف بين المشاركين والتجار وأصحاب المهن التراثية وشركات الإنتاج من مختلف أنحاء العالم، ما يسهم، برأيه، في إعادة دمج الاقتصاد السوري في الاقتصاد العالمي وتثبيت مكانة العراقة والأصالة السورية على الخريطة الدولية.
ويختم الحرفي عمر الرواس حديثه بمشاعر صادقة، مؤكداً أن معرض دمشق الدولي يحظى بمكانة خاصة في نفسه، خاصة بعد مشاركته فيه عدة مرات، فهو ليس منصة تجارية فحسب، بل جسر يربط بين الماضي والحاضر، وبين الحرفي السوري والعالم، ويدعو الجميع لزيارة جناحه والتعرف على حرفته عن قرب، قائلاً بكلمات تختزل فلسفة حياة بأكملها: “كل عقدة في سجادة تحكي قصة، وكل قطعة هي شاهد حي على عراقة شعب لم يتخلَّ عن إرثه، ويصنعه بالحب، ويصونه بالعشق.”
في ركن من أركان المعرض، لا تزال أنامل سورية تحيك الخيوط، لا لتصنع سجاداً فحسب، بل لتبني جسوراً من الأمل، وتحافظ على ذاكرة شعب وتاريخ أمة.
تصوير: صهيب عمراية

Leave a Comment
آخر الأخبار