“الحماية الذكية” لإنقاذ الصناعة السورية من سطوة السلع المستوردة.. خبير يقترح إجراءات “عناية فائقة” لتعافي مكنة الإنتاج المحلي

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحريـّة – نهى علي:
استشعرت بعض الأوساط الصناعية السورية، ملامح انعدام توازن في الأسواق لجهة حرية تدفق السلع والمواد بكثافة من الدول المجاورة.

وطالب عدد من الصناعيين بوضع ضوابط لحالة تشبه الإغراق الجاري على حساب المنتج السوري..أو على الأقل مطالبة هذه الدول بالسماح للمنتجات السورية بالنفاذ إلى أسواقها بذات الطريقة السلسة، من منطلق العرف والمبدأ التجاري المعروف ” المعاملة بالمثل”.
الآن يبقى التساؤل الموضوعي..إلى أي حدٍّ يبدو هذا ممكناً في العلاقات التجارية البينية ..؟
ألا يبدو مبدأ المعاملة بالمثل وارداً و واجباً في مثل هذا الواقع..؟
وهل لدى سوريا ما تصدره بالفعل على أي مستوى في ظل تراجع معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي. ؟
والأهم ألا يجب كبح جماح المستوردات الكمالية..ولاسيما ذات المواصفات الرديئة التي تستهلك موجودات البلاد من القطع الأجنبي..؟؟

د. عيّاش: الركود التضخمي أربك الاقتصاد والأسواق السورية..والمطلوب توازنات نسبية لقوى العرض والطلب

يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عيّاش..أنّ مبدأ التعامل بالمثل هو أحد مبادئ العلاقات التجارية البينية بين الدول.
ولذلك من الطبيعي تطبيق هذا المبدأ في التعامل التجاري مع دول الجوار.. ويضيف في تصريحه لصحيفتنا “الحريّة” أنّ الإجراء يهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص التنافسية العادلة. ولاسيما عندما يتعمد بلد ما القيام بإجراءات تقييدية ضد المستوردات من البلد الآخر.

حمائية

من جانب آخر تعدّ إجراءات تقييد وإعاقة الاستيراد – وفقاً لعيّاش – أحد أساليب السياسات الحمائية التي تلجأ لها الدول لحماية الإنتاج المحلي من خلال تطبيق مفهوم إحلال بدائل المستوردات، وكذلك محاولة تحسين توازنات الميزان التجاري وتخفيض الطلب على القطع.

يجب تأمين متطلبات المنافسة العادلة بين المنتج المحلي والمستورد

ومن وجهة نظره .. إنّ استقرار الأسواق واستمرار دورة رأس المال، تتطلب بالضرورة توازنات نسبية لقوى العرض والطلب في السوق.
وأي خلل في توازنات قوى العرض والطلب ستنعكس سلباً على كليهما، على شكل ركود، أو تضخم.. وفي حالات خاصة يمكن أن نواجه حالة معقدة وهي الركود التضخمي الجامح.. وصولاً إلى الكساد التضخمي الجامح.

عرض وطلب

ويسترسل الخبير الاقتصادي..(كشرح مبسط مع استبعاد العوامل الأخرى) .. إذا زاد العرض المتاح عن الطلب الفعّال، تنخفض الأسعار.. وفي الظروف الطبيعية يتم تخفيض العرض السلعي المتاح من قبل المنتجين والموزعين.. وبالمقابل يبدأ الطلب بالازدياد نتيجة انخفاض الأسعار.. وتستمر هذه القوى بالتفاعل حتى استعادة الاستقرار النسبي..

اعتماد إستراتيجيات الميزة التنافسيـة و”أقلمة” الشركات المحلية مع مفاهيم الاقتصاد الحر

أما في حالة زيادة الطلب على قدرات العرض المتاح.. فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.. وهذا سيشجع المنتجين على زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة العرض.. كما سيؤدي ذلك إلى تراجع الطلب نتيجة زيادة الأسعار.. حتى نعود لحالة التوازن النسبي من جديد.
ولكن هذا يتطلب ظروفاً طبيعية، وهي غير متاحة في حالة أسواقنا الراهنة.

ركود

يوضح عياش أننا في سوريا كنا نعاني من حالة اقتصادية معقدة وصعبة هي الركود التضخمي الجامح.. حيث هناك ركود في العرض السلعي، ولكن مع تضخم مستمر في الأسعار.. وبالتالي كانت الأسواق تعاني بطء سرعة دوران رأس المال، ما يؤدي إلى تراجع الأرباح المترافق مع ضعف الطلب، بسبب التراجع الكبير في القدرة الشرائية لمتوسط الدخل المتاح.. وهذا ما أدى إلى ظهور حالات الاحتكار، وزيادة التحوط، وزيادة الأرباح، لتعويض خسارة الكم البيعي. وبالتالي تستمر الأسعار بالارتفاع رغم محدودية العرض وضعف الطلب الناتج عن ضعف القدرة الشرائية.

انعطافة

ولكن بعد التحرير .. تم إلغاء الكثير من القيود التي كانت مفروضة على القطع الأجنبي والاستيراد والتسعير وحركة السلع والخدمات.. وإلغاء الكثير من الرسوم والنفقات والأعباء المالية.. وهذا ما أتاح الفرصة لتدفق السلع من مناطق الشمال وزيادة العرض السلعي.
ومن جانب آخر توقف الإنتاج المحلي تقريباً بسبب حوامل الطاقة والارتباك الناجم عن تحسن سعر صرف الليرة وبالتالي الخوف من الخسارة الرأسمالية ما أدى لتراجع مستويات التشغيل والدخل.. ولاسيما أمام تدفق السلع التركية المنافسة من الشمال السوري.

اضطراب نقدي

يُلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار ومن أسباب هذا التراجع – حسب د. عياش – هو زيادة الطلب على القطع ولا سيما لاستيراد السيارات حيث تشير بعض المصادر إلى استيراد قرابة 100 ألف سيارة خلال الأشهر القليلة بعد التحرير.. وهذا يتطلب تمويلاً كبيراً لا يقل عن 3 مليارات دولار ولكنه إنفاق جارٍ استهلاكي وليس إنفاقاً استثمارياً إنتاجياً.
مما يتطلب تحديد أولويات الإنفاق خلال مرحلة التعافي بأن تكون الأولوية للمواد الأساسية والطاقة ووسائل الإنتاج.

توازن مطلوب

على مستوى تحقيق توازنات العرض السلعي المتاح في الأسواق، يرى الخبير الاقتصادي.. أنه يجب تأمين متطلبات المنافسة الحرة والعادلة للإنتاج المحلي في السوق المحلية بين المنتجين المحليين من جهة، وبينهم وبين السلع المستوردة من جهة ثانية.
وهذا يستوجب تطبيق مفاهيم ” الحماية الذكية” من قبل الحكومة، واعتماد “إستراتيجيات الميزة التنافسية” لتعزيز القدرة التنافسية من قبل شركاتنا للتأقلم المناسب مع مفاهيم اقتصاد السوق الحر .. بما يضمن استمرار الإنتاج المحلي وزيادة الإنتاجية والجودة، وزيادة تنافسية الإنتاج المحلي في الأسواق المحلية والخارجية..

الحماية الذكيّة

هنا يأتي التساؤل: ماهو الحل الأنسب لمساعدة شركاتنا على سرعة التأقلم مع الانفتاح الاقتصادي وطبيعة اقتصاد السوق الحر..؟
الحل كما يراه د. عياش يكون بتطبيق مفهوم (الحماية الذكية)، فكافة اقتصادات العالم تفرض أساليب حمائية لمنتجاتها ولأهداف عدة.
فالحماية الذكية هي إجراءات محدودة ومحددة (قطاعياً – كمياً وزمنياً) .. وتستهدف الإنتاج المحلي وفق شروط محددة منها:
— المنتجات ذات الميزة التنافسية العالية، والقادرة على منافسة المنتجات المستوردة محلياً.. والمنافسة في الأسواق الدولية.
— المنتجات التي تحقق تكامل سلاسل القيمة المضافة. وتتضمن مستويات التشغيل والمحتوى التقني وتحقق نسبة المحتوى المحلي.
— الإنتاج القادر على الإحلال كبدائل مستوردات كمّاً ونوعاً.
على العموم ..القاعدة في الحماية الذكية تقوم على مساعدة الضعيف ليقوى.. والمريض ليتعافى.. والصغير ليكبر.. والغائب ليعود..
وذلك وفق أولويات تنموية بمفهوم (العائد الاجتماعي).. ثم تنتهي بعد تحقيق ذلك.

إذاً.. الحماية الذكية للإنتاج المحلي تكون مشروطة، محدودة ومحددة .. فهي تُمنح للصغير ولكن لمدة محددة كي يكبر.. وتكون مخصصة للصناعات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وفق معايير تنموية محددة.
وللمريض حتى يتعافى..هذه مخصصة للصناعات التي تعرضت للدمار وفق المحددات التنموية نفسها.
وللبعيد والغائب حتى يعود، وهي تتعلق بالصناعيين المهاجرين لتشجيعهم على العودة والإنطلاق.
وبذلك تكون الحماية مؤقتة ومرهونة بالنتائج التنموية والعائد القومي منها.

خيارات

أشكال الحماية متعددة كما يراها الخبير فادي عيّاش، وتتناسب مع طبيعة المحمي.. من عوائق جمركية، ودعم مخرجات، ودعم صادرات، ومزايا وإعفاءات ضريبية، وتسهيلات ائتمانية وتمويلية، وتيسير إجراءات.. كلها يمكن أن تطبق بشكل تدريجي، متزايد أو متناقص، أو كشرائح بحسب الغاية والنتائج الفعلية المحققة.
كما يجب اعتماد مفهوم “منافسة الدولة” للنفاذ إلى الأسواق الدولية. وكذلك تطبيق مفهوم “العلامة التجارية الجغرافية” ولاسيما للمنتجات التي نمتلك فيها مزايا تنافسية مطلقة أو مزايا نسبية عالية.

Leave a Comment
آخر الأخبار