الحرية- حسيبة صالح:
تعد رواية الخيميائي للكاتب باولو كويلو من أكثر الروايات تأثيراً وإلهاماً، حيث يسافر القارئ عبر رحلة روحية وفلسفية تأخذ بطل القصة، سانتياغو، في مغامرة لاكتشاف ذاته وتحقيق حلمه.
في نادي الكتاب بدمشق، اجتمع عشاق الأدب لمناقشة الرواية التي أثرت بالملايين حول العالم، متناولين الرموز والمعاني العميقة التي تحملها، وتأثيرها على فهم الإنسان لذاته وللعالم من حوله.
بدأت المناقشة بمحاولة فهم الدوافع التي تحرك الشخصية الرئيسة، والعوائق التي واجهتها في طريقها، ومدى ارتباط رحلتها بالسعي الشخصي لكل فرد في الحياة، كما تمّ تسليط الضوء على الفلسفة التي نقلها كويلو من خلال أحداث الرواية، ومدى تأثيرها على القارئ في إعادة النظر في مفهوم القدر والإرادة. جلسة لم تكن مجرد تحليل للأحداث، بل فرصة للتأمل والتفكير العميق في الدروس التي يمكن استخلاصها.
استهلت النقاش مترجمة الخيميائي الكاتبة لمى إسماعيل بذكر المثل القائل :
“When you’re ready, the master appears”
أي عندما تكون جاهزاً يظهر المعلم، والمعلم قد يكون معلماً روحانياً فعلاً أو كتاباً ، قصة ما أو جملة عابرة. كلها أدوات لتمسك بيدك وتضعك بأول الطريق، طريقك أنت . إذ لكل مخلوق رسم طريقه منذ الولادة وخصصت له مهمته على الأرض وتحاول روحه وسعها أن ترشده عندما تبعده تفاصيل الحياة الأرضية عنها ، ولكنه قد يمسك بتلك اليد،أو يتوه عنها ويفلتها بأحد المنعطفات، فحرية الاختيار أمر مقدس.
تتابع إسماعيل عن ترجمتها للرواية بالقول :”عندما بدأت بترجمة رواية الخيميائي، بدأت الرحلة..رحلتي مع الحياة الروحانية، ومع الكتابة والتأليف..أظن أن تلك الكلمات الحية وأقول حية.. لأن الكلمة عليها أن تحمل معها الحياة، القدرة على الخلق. ففي البدء كانت الكلمة
كلمات “الخيميائي” كانت تمثل بالنسبة لي: اليقين فأنت تفكر وتشعر ولكنك لست متأكداً بعد، وفجأة، تأتيك تلك القشعريرة وكأنها تقول لك: نعم ما فكرت به صحيح وحقيقي وموجود في عالم أسمى، في كيان ثابت أزلي له قوانينه! كن واثق الخطوة، وسترى أن أحلامك وجدت لتتحقق”.
كما أشارت إسماعيل إلى أن القارئ لا ريب سيتقمص شخصية سانتياغو الراعي الشاب الذي يبحث عن كنزه في رحلة تأمل بين السهول والصحارى والواحات والكواكب والحكايات الساحرة
سيأخذه إلى الأهرامات التي حلم بها مرتين، وفي كل حلم يقول له الفتى الصغير الذي يقوده إليها: “إذا أتيت إلى هنا ، ستجد كنزاً مدفوناً وستلتقي بمن يخبرك عن الأسطورة الذاتية وعن القوى الخفية التي تبدو سيئة غير أنها في الواقع ستعلمك كيفية تحقيق أسطورتك الذاتية، وستشعر بهبوب الرياح الشرقية التي تجلب البرابرة ولكنها تجلب أيضاً الصحراء والواحات كعالم مترامي الأطراف, ثم تستيقظ على قول بائع الكريستال إن الأهرامات ليست إلّا كومة حصى وتستطيع أنت أن تبني أهرامات في بيتك ..لتتذكر أنك كنت تحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”.
و تؤكد مترجمة الرواية أنها عندما كتبت كلمة “الخيمياء” انتعشت روحها، جزء منها استفاق وكأنه عاد إلى ذكرى قديمة جداً : “شيء في داخلي أصبح يتوق إليها وغمرني نوع من الحنين والاشتياق! قصة طويلة مع تفاصيل سحرية جذبتني إليها أو جذبتها لست أدري ولكن ما الفرق؟ أليست كل الأشياء شيئاً واحداً في النهاية؟”
ستنتقل في رواية الخيميائي إلى عالم مليء بالسحر وتتكلم مع أوريم وتوميم الحجرين اللذين أعطاهما الرجل العجوز في البداية واللذين ما إن تلمس أحدهما حتى تشعر بالهدوء فتتذكر قول العجوز: “عندما تريد شيئاً ما فإن العالم كله يتعاون معك كي تنال ما تريد. والأهم أن الأحجار لا تستطيع خدمة من لا يعرف ما يريد. وعندما سألهما: هل سأجد كنزي؟ عادت إلى ذاكرته جملة ” تعلّم أن تحترم وتتبع العلامات”.
إنها العلامات التي تظهر للجميع ولكن قلة من البشر يراها ببصيرته. ففي كل سطر هنالك حكمة كونية عظيمة، لغة أبعد من الكلمات، فإن توصلت إلى فك رموز هذه اللغة التي تتجاوز الكلمات تستطيع حينها أن تفك رموز الحياة.
تؤكد إسماعيل أن قارئ رواية الخيمياء سيذكر ما قالته فاطمة البدوية: “إنني امرأة من الصحراء وأفخر بذلك وأريد لرجل حياتي أن يمشي حراً مثل الهواء الذي يحرك الكثبان أن يمنحني نفسه لأراه في الغيوم وفي الحيوانات وفي الماء”.
كذلك سيرى الإنكليزي جالساً أمام فرن غريب وضع عليه أنبوباً شفافاً وكان يشعل النار بوساطة الخشب ويقول: ” هذه أول مرحلة للعمل ،علي أن أفصل العناصر غير النقية وفق مبدأ الخيمياء الذي أسسه حكيم الحكماء هيرميس تريسميجيستوس ٣٠٠٠ سنة قبل الميلاد بجملته الشهيرة: ستفصل الكثيف عن الرقيق بحرفية عالية”.
وفي الختام ندرك أنّ الرواية ليست مجرد قصة ممتعة، بل رحلة فلسفية تدفع القارئ إلى التفكير في مصيره وطموحاته الشخصية، وتعكس تحديات الحياة الحقيقية وتلهم الإنسان للسعي وراء أهدافه بإيمان وعزيمة، كما تفتح لنا أبواباً جديدة لفهم أعمق للذات وللمعاني الخفية التي تحيط بنا، وتجعلنا نتساءل: هل نحن على الطريق الصحيح لتحقيق أحلامنا؟