الحرية – ميسون شباني:
يأتي مسلسل “عيلة الملك” كمحاولة جديدة في الدراما السورية لكسر المحظورات التي لطالما أحاطت بالخطاب الفني، عبر الغوص في التحولات الاجتماعية والسياسية التي عاشتها البلاد خلال العقود الأخيرة، خصوصاً خلال السنوات التي سبقت اندلاع الحرب.
تدور القصة حول تاجر دمشقي يصعد اجتماعياً بشكل مفاجئ بعدما يتخلى عن عائلته الفقيرة ويرتبط بسيدة نافذة، لكنه يجد نفسه لاحقاً محاصراً بين ماضيه ومطاردة الأجهزة الأمنية له، لتبلغ الحكاية ذروتها مع اللحظة المفصلية في تاريخ سوريا، ويقدم عبر تفاصيله قصة صراع الإخوة بأسلوب رمزي يعكس الواقع الاجتماعي السوري بعد الحرب.
إذاً، العمل لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل يتناول أيضاً تعقيدات العلاقات الإنسانية في ظروف استثنائية، يروي تفاصيلها من خلال قصة معتقلة سابقة تقع في حب بطل ثوري يواجه شقيقاً متسلّطاً، ما يضعه أمام صراع بين العاطفة والواجب الاجتماعي.
نقلة نوعية
يمثل العمل نقلة نوعية في الدراما السورية، إذ يجرؤ على مقاربة قضايا سياسية واجتماعية لطالما اعتبرت من المحظورات. فطرح فكرة الصعود الطبقي عبر النفوذ السياسي والارتباط بعلاقات السلطة، إلى جانب التطرق لملف المعتقلين، يضع المشاهد أمام قضايا قريبة من نبض الواقع، لكنها كانت مهمّشة أو مغيّبة عن الشاشة.
ويعكس العمل رغبة في تقديم نص متعدّد الأصوات من خلال الاعتماد على ورشة كتابة بإشراف المخرج محمد عبد العزيز ومشاركة كتّاب شباب منهم شادي كيوان، معن سقباني، وميادة إبراهيم. هذا النهج الجديد حسب رأي صنّاع العمل يمنح العمل تنوّعاً في الطرح والحوار، ويُجنّبه السقوط في النمطية التي ميّزت كثيراً من الأعمال السابقة. إنه بمثابة مساحة اختبار لأفكار ووجهات نظر متعددة.
على الرغم من ثقل القضايا السياسية والاجتماعية التي يطرحها المسلسل، إلا أن إدخال لمسات كوميدية واجتماعية يمنح الشخصيات أبعاداً أكثر إنسانية، ويجعل السرد أكثر قرباً من الجمهور. هذا التوازن يحمي العمل من المباشرة، ويمنحه القدرة على إيصال رسالته بلغة درامية سلسة ومؤثرة.
ويضم المسلسل مجموعة من الأبطال الذين يقدّمون أداءً لافتاً، أبرزهم سلوم حداد، ، فاديا خطاب، نادين خوري، صفاء سلطان،عبد الهادي الصباغ، شكران مرتجى، لجين إسماعيل، رنا ريشة، جمال العلي، مرح الحسن، تيم عزيز، علا السعيد، هدى شعراوي، فاتح سليمان، إلى جانب عدد آخر من وغيرهم. وهو من إنتاج أيهم قبنض ميديا.
مصائر معلّقة
ويؤكد المخرج محمد عبد العزيز أن أحداث “عيلة الملك” تستند إلى بيئة دمشقية واقعية، وتسلط الضوء على ظاهرة “الخوّات” التي كان بعض التجار يتعرضون لها، قبل أن تمتد القصة إلى بيئة العشوائيات وتناقضاتها الطبقية. وأشار إلى أن ربط مصائر الشخصيات بالأحداث المفصلية في سوريا ليست مجرد خيار درامي، بل هو محاولة لصناعة شهادة فنية على حقبة معقدة. فالأحداث لا تسير بمعزل عن الواقع، بل تتشابك معه لتكشف كيف يتأثر مصير الأفراد بتقلبات التاريخ.
ولفت أن اختيار نهاية صادمة للعمل تترك الباب مفتوحاً أمام إنتاج جزء ثانٍ، لا يعكس البعد التشويقي فقط، بل يعكس رغبة في تقديم مقاربة طويلة النفس للموضوع. إضافة إلى أن هذا التوجه يتماشى مع طبيعة السوق الدرامي العربي، حيث يجد المشاهد نفسه متعلّقاً بالشخصيات منتظراً مصيرها.
صراعات المهمّشين
وتتصدّى الفنانة شكران مرتجى لشخصية “سندس” امرأة فقيرة مهمّشة في الحياة تقيم في أحد الأحياء الشعبية تعيش ظروفاً صعبة بعد أن هجرها زوجها تاركاً إياها وحيدة لتتحمل أعباء الحياة وتربية ابنها، وتعمل في بيع الخردوات على بسطة بسيطة، وتكافح يومياً لتوفير لقمة العيش، ومع تصاعد الأحداث تلتقي شاباً يصغرها سناً، وتنشأ بينهما علاقة عاطفية ما يضعها أمام خيارات جديدة في الحياة.
مسار مفعم بالمكائد
ويلعب الفنان لجين إسماعيل شخصية “مازن” المليئة بالتناقضات والصراعات الداخلية التي تتشعب وتمتد إلى بقية أفراد العائلة وخاصة بعد وفاة والده، ويمر عبر البناء الحكائي للعمل بمسار مليء بالمكائد والخيانة، وهو ما يدفعه للانخراط في جرائم خطرة ويسعى مع شقيقه للاستيلاء على ثروة العائلة، التي تشمل الشركات والمعامل والأملاك، متجاهلين وصية الأب، ويكشف عبر تفاصيل الشخصية عن الوجه المظلم لما يمكن أن يفعله المال بالإنسان.
تحولات عميقة
ويجسد الفنان عبد الفتاح مزين دور ضابط كبير يدعى “مناف”، شخصية مليئة بالتفاصيل تمر بتحولات مفصلية، فهو يشكل محركاً لأحداث العمل. إنه صاحب نفوذ كبير لا يرحم، شخص مجرد من الإنسانية ويفعل أي شيء من أجل مصلحته، ويحصل على إتاوات من التجار، ومنهم التاجر جبري الملك، وهي الشخصية الرئيسية التي يؤديها الفنان سلوم حداد. شخصية إشكالية ومن المتوقع أن تحدث جدلاً واسعاً كونها تمثل عنصراً من عناصر الشر في العمل.