“الذكاء العاطفي” بوابة للتعافي الذاتي  ومواجهة  الأزمات

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:
لم يعد دعم الطفل أو الشاب يقتصر على المساعدات الإنسانية أو التعليم التقليدي، فالأزمات الطويلة ولدت حاجة أعمق، تتعلق ببناء الإنسان من الداخل، وهنا يبرز الذكاء العاطفي كوسيلة فاعلة، بل كمنقذ حقيقي لصناعة أجيال قادرة على الصمود والنمو.
فالذكاء العاطفي، وفق المتخصصين، ليس مجرد قدرة نفسية، بل هو مهارة حياتية جوهرية تمكن الفرد من فهم ذاته، التحكم بانفعالاته، وتكوين علاقات متوازنة في بيئة متقلبة، وهو أساس الصحة النفسية للأفراد، خصوصاً الأطفال والشباب، الذين يشكلون مستقبل أي مجتمع.

في مواجهة الاضطراب

تشير دراسات نفسية حديثة إلى أن التعرض الطويل للضغوط والصدمات -كما هو الحال في سوريا- يضعف مهارات التنظيم الانفعالي، ويزيد من احتمالات العزلة، السلوك العدواني، أو الانهيار النفسي، خصوصاً في البيئات غير الآمنة، من هذا المنطلق أصبح الذكاء العاطفي في نظر تربويين سوريين حاجة تنموية وإنسانية عاجلة، لا سيما للأطفال الذين يسعون لبناء هويتهم وسط بيئة يغيب عنها الاستقرار، ويجمع هؤلاء أن المهارات العاطفية والاجتماعية، إن تمت تنميتها مبكراً، تشكل درعاً نفسية تحمي الطفل من الانزلاق نحو دوامات الخوف أو العنف أو الانغلاق.

دورات تدريبية تصنع الفرق

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض المبادرات السورية والمراكز المجتمعية في إدماج برامج تدريبية خاصة بالذكاء العاطفي، تستهدف الفئات العمرية الصغيرة واليافعة، هذه البرامج لا تتطلب موارد ضخمة، لكنها تعتمد على الوعي والمرافقة التربوية السليمة، وتشمل: الوعي الذاتي: فهم المشاعر وتسميتها بدقة، إدارة الانفعالات: التحكم في الغضب والقلق، التعاطف: فهم مشاعر الآخرين واحترامها، المهارات الاجتماعية: التواصل الإيجابي، التعاون، حل النزاعات.

أثر طويل المدى

وتؤكد الأبحاث أن هذه الأنشطة، حتى وإن كانت بسيطة، تترك أثراً طويل الأمد على التحصيل الدراسي، التوازن النفسي، والعلاقات الاجتماعية للطفل.

بوابة للتعافي

من جهته، يرى المدرب التنموي إبراهيم محرز أن الشباب السوري يواجه ضغطاً نفسياً مركباً، يجعل من الذكاء العاطفي بوابة ضرورية للتعافي الذاتي، والانتقال من ردود الفعل الانفعالية إلى الفعل الواعي والمدروس.
وفي تصريحه ل “الحرية” أكد أن هذه المهارة يمكن غرسها بالتدريب والمرافقة، وهي لا تحتاج إلى تقنيات معقدة، بقدر ما تحتاج إلى بيئة داعمة، وأساليب تربوية حديثة تدمج في المناهج المدرسية والجامعات والأنشطة اللاصفية.

استثمار وطني يبدأ من الداخل

ولفتت محرز ٱلى أنه في وطن أرهقته الحرب، يبدو الاستثمار في الذكاء العاطفي مشروعاً إنسانياً واستراتيجياً، مشروع لا يصنع فقط فرداً ناجحاً، بل مجتمعاً أكثر تماسكاً.

نحو التحول من رد الفعل إلى الوعي

وأضاف: الأطفال الذين ننمي فيهم هذه المهارات اليوم، هم شباب الغد القادرون على قيادة التحول، لا بقوة السلاح أو المال، بل بقوة الوعي، التعاطف، والاتزان.

“فريق ملهم” الذكاء العاطفي لبناء فرق متماسكة
وفي السياق نفسه يرى وليد بلة مسؤول القسم الإنساني في فريق ملهم التطوعي – مكتب جبلة، أن الذكاء العاطفي هو الركيزة الأهم لنجاح أي فريق عمل أو مبادرة مجتمعية.
وفي تصريحه لصحيفتنا “الحرية” أوضح أن الشخص الذي يمارس الذكاء العاطفي يتمتع بوعي ذاتي، يفهم مشاعره ويتحكم بانفعالاته، ويحترم مشاعر الآخرين، ما يعزز جودة التواصل، التعاون، والاحترام داخل الفريق.
وأكد أن غياب الذكاء العاطفي يضعف ديناميكية الفريق ويخلق بيئة عمل مشحونة، بينما نشر هذه الثقافة – من خلال ورش تدريبية تعزز الاستماع والتعبير والاحترام – يسهم في بناء فرق أكثر تناغماً، وأكثر قدرة على خدمة المجتمع بكفاءة وإنسانية.

من قلب الميدان

وأضاف بلة: الأثر الأعمق للذكاء العاطفي يظهر في تنمية الأطفال، فأي نشاط تنموي أو فعالية مهارية للأطفال، تعزز هذه المهارة تخلق شخصيات أكثر تماسكاً وثقة، الطفل الذي يمنح مساحة ليعبر عن مشاعره ويتفاعل مع محيطه بتوازن، سيصبح في المستقبل أكثر استقراراً نفسياً، وأقدر على النجاح الدراسي والاجتماعي.
وأشار إلى أن الفريق أطلق مبادرات خاصة لتكريم الأطفال المتأثرين بالحرب، ممن فقدوا أحد والديهم، إلى جانب فعاليات ترفيهية وتعليمية تدعم الجانب النفسي والاجتماعي لديهم.

جيل ينهض بالعقل والقلب معاً

إن نشر ثقافة الذكاء العاطفي في البيوت، المدارس، الفرق التطوعية، والجهات الحكومية، هو استثمار في التعافي الحقيقي، لأنه ينتج جيلاً يفهم ذاته، يحترم الآخر، ويعرف كيف يعبر من دون أن يؤذي، وكيف يواجه من دون أن ينهار، جيل نحتاجه الآن، أكثر من أي وقت مضى.

Leave a Comment
آخر الأخبار