الحرية – مها سلطان:
يقول مايكل هانا مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: إن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض هي «شهادة أخرى على التزام الولايات المتحدة بسوريا الجديدة، وهي تحمل رمزية كبيرة للزعيم الجديد للبلاد الذي يأخذ خطوة جديدة في تحوله المذهل إلى رجل دولة عالمي».
ويضيف: في أيار الماضي، غيّر الرئيس دونالد ترامب بشكل غير متوقع السياسة الأميركية الراسخة تجاه سوريا، وهو يُواصل دعم الحكومة السورية منذ ذلك التوقيت. (في إشارة إلى اللقاء الأول بينهما والذي كان فاتحة لمسار كامل من التحول الإيجابي المتسارع على مستوى العلاقات الثنائية).
هكذا علق مايكل هانا تزامناً مع وصول الرئيس الشرع إلى واشنطن، ولقائه المرتقب غداً مع الرئيس ترامب، وهي زيارة وُصفت بأنها ستكون حدثاً فارقاً يُعيد تشكيل المعادلة الإقليمية مع مغادرة سوريا كلياً التموضع الشرقي الذي طبع سياساتها منذ الاستقلال بشكل عام، وبصورة عملية في ستينيات القرن الماضي مع صعود نفوذ حزب البعث.
وتعد زيارة الرئيس الشرع، الأولى لرئيس سوري، إلى الولايات المتحدة الأميركية، فيما يُسجل التاريخ زيارة واحدة للرئيس هاشم الأتاسي إلى نيويورك في 18 حزيران 1967 حيث شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حينها، وألقى خطاباً على منبرها، لكن هذه الزيارة لا تُحسب ضمن سجل الزيارات الرسمية بين البلدين لأنها اقتصرت على نيويورك ومن دون مباحثات مع مسؤولين أميركيين.
– أصعب الملفات
ورغم إن الملفات التي سيتم طرحها على طاولة الشرع- ترامب هي ملفات مُعلنة تقريباً، إلا أن أغلب المحللين والمراقبين يُصرون على الغوص أعمق مما هو معلن في محاولة لاستشراف ملامح مرحلة كاملة مقبلة ستكون سوريا محورها، تبعاً لمستوى العلاقات التي ستجمعها مع الولايات المتحدة، بعد الانتقال من موقع الخصم إلى موقع الشريك.
لا شك في أن كل الأنظار متركزة على الرئيس الشرع المشهود له بالباع الطويل عسكرياً بالأمس، وسياسياً اليوم، حيث إنه يدير ميادين السياسة والتفاوض بالاقتدار نفسه الذي أدار فيه ميادين القتال، ثم ميادين الاستقرار الأمني والخروج بسوريا إلى ميادين النهوض والتنمية.. ولكن لا بد أولاً من تخطي ميادين السياسة والعلاقات الدولية، خصوصاً أميركا كونها من أصعب الميادين.الرئيس الشرع- وفي زمن قياسي- أثبت مقدرة وحكمة في التعامل مع هذا الميدان وتجاوزه إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد تطبيع العلاقات.. خصوصاً وأن هذا الملف تحديداً -هو بالتصنيف- ملف عالمي، وليس ثنائياً فقط أو حتى إقليمي (إلى جانب المستوى الداخلي الذي لا يُستهان به والقدرة على الاستقطاب والمحافظة عليه في سبيل دعم توجهات الرئيس الشرع وسياساته لتحقيق أفضل مستوى من العودة الأميركية/الدولية لسوريا).
– تدوير الزوايا
لذلك يُقال عن زيارة الشرع لواشنطن بأنها الاختبار الأهم لقدرته على تدوير الزوايا بين الداخل والخارج.. بين العلاقة مع أميركا والعلاقة مع حلفاء ومحاور ما زال لهم ثقل إقليمي وعلى الساحة السورية (وبعضهم ما زال يشكل تهديداً لسوريا).. بين الإقليمي وتجاذباته الحادة والخطيرة في هذه المرحلة، وبين الدولي وارتباطاته مع الإقليمي بصورة أيضاً حادة وخطيرة.
حتى الآن تجاوزت سوريا بقيادة الرئيس الشرع الكثير من الملفات الصعبة والشائكة، وربما تمثل زيارته لواشنطن اليوم ولقاؤه الرئيس ترامب غداً، ذروة الدبلوماسية الناجحة التي يعتمدها منذ التحرير في 8 كانون الأول الماضي، لإعادة تموضع سوريا على الخريطة الدولية.
كثير من المراقبين يتحدثون عن المكاسب الأميركية من وراء زيارة الشرع إلى واشنطن خصوصاً مع سعي ترامب لترسيخ معادلة النفوذ الأميركي في المنطقة إلى جانب أهداف أخرى معروفة في أغلبها.. بالمقابل تدرك سوريا مكانتها وموقعها وأهميتها بالنسبة لترامب وطموحاته، بحيث إنها من خلال ذلك تستطيع استقطاب الدعم الدولي لإعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي عبر جذب الاستثمارات وإعادة دمج الاقتصادي بالنظام العالمي.
هذه المكانة والأهمية يؤكدهما سياق التصريحات والتدابير الأميركية خلال الأيام الماضية في سبيل تحقيق زيارة ناجحة للرئيس الشرع. وكان ترامب أطلق غير مرة تصريحات تشيد به وترحب بزيارته، فيما أثمرت الجهود الأميركية- يوم الخميس الماضي- عن رفع اسم الرئيس الشرع من قائمة العقوبات الدولية، فيما يُنتظر أن يتم إلغاء قانون قيصر بالكامل قبل نهاية العام الجاري.
– ترقب وارتياح
لكل ما سبق، وغيره كثير، يترقب السوريون باهتمام شديد زيارة الرئيس الشرع لواشنطن، مع شعور عام بالارتياح للقائه ترامب. هناك شعور خاص لدى معظم السوريين بأن بلادهم على الطريق الصحيح رغم كل التشويش والتضليل المتعمد، من قبل البعض، والذي بات يرافق تقريباً كل خطوات الدبلوماسية السورية.. والذي يسقط في كل مرة بإنجاز دبلوماسي جديد.. والقادم أفضل، لننتظر ونرَ.