حين يتحول الرسم على الصحون إلى رحلة نجاة وبصمة لا تزول

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – آلاء هشام عقدة:
من قلب الظروف الصعبة، اختارت الشابة السورية رانيا مطرجي أن تشق طريقها عبر الفن، هروباً من الواقع وسعياً لخلق مساحة نور داخل العتمة، بخبرة تشكلت بالممارسة لا بالتدريب، حوّلت مطرجي موهبتها إلى مشروع فني يلامس الذاكرة ويترك أثراً لا يمحى.
في مساحة صغيرة داخل منزلها، تجلس خريجة الأدب الإنكليزي رانيا مطرجي أمام صحون بيضاء تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى لوحات نابضة بالحياة.
في حديثها لـ “الحرية” بيّنت أن الرسم كان دائماً طريقتها للانفصال عن قسوة الواقع، أرسم لأخرج من الظروف الصعبة، الرسم متعتي، علاجي، وطريقتي لمواجهة الإحباط والاكتئاب، وأضافت: أحب رسم الأنثى بكافة أشكالها وتفاصيلها وألوانها، أغلب رسوماتي تتضمن الأسرة لأنها روح كل شيء.
ورغم أنها لم تتلقّ أي تدريب أكاديمي أو دروساً فنية، بدأت رحلتها بالرسم اعتماداً على الموهبة وحدها، تقول: إن جزءاً من موهبتها ورثته من عمها الرسام. كان للوحة معلقة رسمها عمي أثر خاص في نفسي، حتى إنها تخبر بابتسامة: أتمنى أن أترك لوحة على حائط أحدهم، أثراً يبقى حتى بعد موتي، الرسم شيء خالد.

مشروع مختلف

وتابعت: خطرت فكرة الرسم على الصحون فجأة، فقد رأيت فيها مشروعاً مختلفاً لم يطرق كثيراً في سوريا، مضيفة: نرى رسوماً على الجدران وعلى كل المواد تقريباً، لكن نادراً على الصحون، رغم أنه فن منتشر في الخارج.
ولفتت إلى أنها اختارت أن تبدأ مشروعاً لا مجرد هواية، لأن العمل كمشروع يمنحها دافعاً للاستمرار وتطوير الذات، ومن أول يوم خطرت الفكرة في بالي، قمت بشراء المواد اللازمة وبدأت الرسم فوراً، ومع مرور الوقت تطور أسلوبي، وبدأت أتقن استخدام الأدوات والألوان الخاصة بالزجاج، وأضيف عليها بعض الإكسسوارات أبرزها الستراس الذهبي والفضي، مستندة إلى قناعة أن الخيال في الفن لا حدود له.
وأضافت مطرجي: أنا هنا بفضل دعم وتشجيع أمي، وأبي الراحل فهو مهندس معماري تعلّمت منه الدقة والصبر في العمل وكل ما أقدم من أعمال فنية أهديه لروحه.

شغف التفاصيل

تهتم مطرجي بالتفاصيل إلى حد يجعل البعض يظن أن أعمالها مطبوعة لا مرسومة باليد، تقضي ساعات تتأمل خطوط القطعة بعد الانتهاء، بحثاً عن لمسة صغيرة قد تغيّر الشكل كله، التفاصيل هي جمال العمل، ومن دونها لا تكتمل القطعة، بحسب ما ذكرت.

بين تقدير الجهد وصعوبة التسعير

ورغم الإقبال الكبير على أعمالها داخل عدة محافظات سورية، يبقى تسعير القطع تحدياً حقيقياً لها. تقول: أتمنى أن يتمكن الجميع من اقتناء هذه الأعمال، وفي الوقت نفسه لا أستطيع تخفيض السعر لدرجة تهدر جهدي وتسبب لي خسارة.
أما أصعب ما أواجهه فهو ارتفاع أسعار المواد والألوان الخاصة بالزجاج، التي أحتاجها بكثرة نظراً لضرورة تكرار الطبقات للحصول على اللون المكثف، إضافة إلى تجديد الريش والأدوات بشكل دائم.
وأشارت إلى أن أعمالها لا تقتصر على الرسم فحسب، بل تقدم لوحات خاصة تحمل أسماء وعبارات وآيات قرآنية وصوراً، تصمم بطلب من الزبائن، وغالباً ما تقدم كهدايا ذات طابع شخصي.

طموح بلا حدود

بعد انتشار أعمالها في الداخل السوري، تحلم رانيا اليوم أن تصل بصمتها الفنية إلى خارج البلاد، حيث ترى تقديراً أكبر لفن العمل اليدوي، أطمح أن تسافر قطعي خارج سوريا، أن تحمل ملامح روحي إلى مكان جديد، وان أشارك في معارض خاصة.

وجدت في الفن خلاصاً

بين ضغوط الحياة وقلة الإمكانيات، اختارت رانيا مطرجي أن تحول الألم إلى فن، وأن تزرع الجمال على مساحات صغيرة من الخزف، تتحول معها كل قطعة إلى ذاكرة، إنها قصة شابة وجدت في الفن خلاصاً، وفي الموهبة مشروع حياة، وفي التفاصيل بصمتها التي ترفض أن تزول.

Leave a Comment
آخر الأخبار