الحرية– سامي عيسى:
جميع الإجراءات التي تقوم بها الحكومة اليوم، تتجه نحو تأمين بيئة مناسبة للانتقال إلى اقتصاد السوق، وتوفير حاضنة أكثر أمناً وأماناً لرأس المال الوطني والأجنبي، تسمح بزيادته وتوسيع دائرة الاستثمارات لتشمل قطاعات كانت حكراً على جهات بعينها، إلى جانب تعزيز الحالة الإنتاجية التي تسمح للمنتج السوري إعادة رسم خارطة جديدة، يدخل من خلالها الأسواق العالمية من أوسع أبوابها..
لكن ثمة أسئلة كثيرة تحظى باهتمام واسع من قبل المهتمين بالشأن العام الاقتصادي والاجتماعي، تجاه هذا التوجه في مقدمتها: امتلاك الحكومة مقومات هذا الاتجاه ضمن الظروف الحالية، ما مصير القطاع العام الحكومي؟، وهل يستطيع مجارات هذه الاستدارة، والأهم كيف نعزز قوة الإنتاج الوطني في ظل ما يحدث من متغيرات على صعيد الاقتصاد والسوق المحلية، وما هي الخطوات الواجب اتباعها لدعم المنتج المحلي خلال المرحلة المقبلة…؟
الحلاق: توفير أجندة خاصة لدعم حلقات الإنتاج المحلية.. والبرجوازية الوطنية عرابة الانتقال السلس
مطلب قديم
أسئلة مشروعة في ظل هذه المتغيرات، والمجيب هنا عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق خلال اللقاء مع صحيفة الحرية حول ما تم طرحه مؤكداً أن اقتصاد السوق الحر كان مطلب التجار، ورجال الأعمال منذ زمن، لكن خلال العقود الماضية كانت السياسة الموجودة تطبيق اقتصاد السوق الموجه، تارةً اقتصادي وآخر اجتماعي، وهذا الأمر امتد لعقود مضت اشتغل الجميع عليها، لكن اليوم تغير الحال، وأحدثت نقلة نوعية باتجاه اقتصاد السوق الحر، وهذا ليس بالأمر السهل، لا من حيث تقبله من قبل المجتمع فوراً، باعتباره يحمل إيجابيات وسلبيات متنوعة، لكن الإيجابيات كثيرة، شريطة الأخذ بعين الاعتبار نقاط قوة اقتصادنا الوطني وتعزيزها، ومعالجة نقاط ضعفه، وما نريده اليوم ألا يتحول اقتصادنا من استثماري جاذب للاستثمارات إلى ريعي، مع علمنا أن الإمكانات ضعيفة هذه الأيام، لو أننا انتقلنا منذ عشر سنوات إلى الاقتصاد الحر، كنا تحررنا من عنصر الخوف من حالة الانتقال كما هو حال اليوم، بسبب حالة الاستنزاف للموارد خلال سنوات الأزمة، لا سيما لجهة تهجير الكفاءات والأدمغة، والعمالة المنتجة، والأهم هروب رؤوس الأموال، إلى جانب استنزاف ما تبقى في السوق المحلية من خلال شراء المواد والسلع بأكثر من 30% من قيمتها الحقيقية، لصالح فئة محددة بالمجتمع سواء سلطة، أو مقربين منها، علماً أن الاعتراض كان ليس لنقص الموارد، بل هي متوافرة، وما ينقصها الإدارة الصحيحة ..!
وبالتالي نحن مع اقتصاد السوق الحر، المبني على تصور واضح، ضمن معايير وضوابط محددة للانتقال من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق الحر، تحقق السلاسة والأمان في آلية العمل الجديدة، في مقدمتها ذهنية العمل ..
الانتقال السلس
لكن يبقى السؤال الأهم حول امتلاك الحكومة لأدوات الانتقال السلسة، نحو اقتصاد السوق الحر، وهنا أكد”الحلاق” واقعية الحكومة الحالية بأنها استلمت الاقتصاد في أدنى مستوياته، ولا نريد تحميلها مسؤوليات ما تم خلال السنوات السابقة من تهجير وتخريب للحالة الاجتماعية والاقتصادية، واليوم نحن ننتقل من مرحلة لأخرى، نمتلك فيها مؤسسات قوية، ووسائل وتشريعات وقوانين، لكنها تحتوي على حالات فساد كبيرة، هذه التشريعات بحاجة لإعادة هيكلة وتنظيف وتطوير وتعديل بما يتناسب مع التوجهات الجديدة..
لكن يمكن التساؤل حول مصير القطاع العام في هذه المرحلة، وهل يستطيع مجاراة هذه الاستدارة، “الحلاق” قال: لا يجوز أن تكون الحكومة “تاجراً” والقطاع العام أسوأ اقتصاد تديره الحكومة، لأنها كانت تتعامل معه بذهنية تاجر مكبل “بقيود وإجراءات”، فالحكومة لديها موارد إستراتيجية ونشاطات هامة ينبغي عدم التخلي عنها، كالنفط والفوسفات وغيرها، يمكن إدارتها بالذهنية الحكومية، لكن هناك قطاعات أخرى استهلاكية سريعة يجب تركها للقطاع الخاص لأنه الأبرع فيها، وبرأي “الحلاق” ينبغي إعادة النظر بالآلية الإنتاجية للقطاع العام، فهناك خطوط جيدة، يمكن الإستفادة منها، وعرضها للاستثمار مع الخاص، وتكون فائدة تحكمها تشاركية المنفعة للجميع، وإذا كان العكس ممكن الاستفادة من العقارات، ومحتوياتها في مشروعات جديدة وفق آلية استثمارية جديدة، وبالتالي استمرار القطاع العام بهذه الصورة يشكل ضرراً كبيراً على الاقتصاد الوطني، بسبب الآلية المتبعة وتوزيع الأجور المتشعبة، مما أدى لهروب الكفاءات، وتراخي مفاصل العمل، وانتشار الفساد فيها..
وأضاف الحلاق: إمكانية الخروج تتم وفق أنظمة استثمارية مثل “pot ” وغيرها وإدخال تشريعات خاصة تسمح بنجاحها علماً أنه هناك شراكات نجحت فيها كشركة “سيريتل وأم تي أن ” وأخرى في مجالات النقل والبناء وغيرها، والعودة لاستثمارها بشروطها ورؤيتها، وتحقيق الفائدة الاقتصادية التي تعود للدولة والمواطن على السواء..
تعزيز قوة الإنتاج
وهنا “للحلاق” رأي خاص يتعلق بضرورة الاعتماد على البرجوازية الوطنية، التي تقود المشاريع الضخمة على مستوى الوطن، وهناك أمثلة كثيرة على هذه الحالة والمشاريع التي نفذتها سابقاً، منها على سبيل المثال، شبكات المياه وجر مياه الفيجة لدمشق، ومشروع مشفى المواساة ، إضافة للمساهمة في المشاريع الخيرية والتنموية، وغير ذلك كثير ..
لذلك من الضروري الاعتماد عليها، وتعزيز دورها بالتعاون مع الحكومة والاستفادة من الطاقات المادية والبشرية المتوافرة لديها، كل ذلك من أجل تعزيز قوة الإنتاج الوطني، وحتى نحافظ على هذه القوة لا بد من دراسة، مجمل الأسباب التي تمنح المنتج المستورد قوة المنافسة، والتي تبدأ بدراسة أسباب وجودها، في السوق المحلية، منها عناصر التكلفة، حالات الدعم، وقبلها الأسواق القادمة منها، وبالتالي البحث في معوقات ضعف منافسة منتجنا الوطني لها، عندها نضع المقومات التي تكفل تعزيز قوة إنتاجنا الوطني، والتي تكفل تمكين الصناعة من المنافسة، من خلال فرض رسوم جمركية وضريبية، خاصة على المستوردات دون منعها من الاستيراد، أو من خلال أجندة دعم خاصة لدعم الصادرات الوطنية التي تعزز مكانتها وتفرض مفردات المنافسة في الأسواق الخارجية ..
خطوات
واعتماد مجموعة من الخطوات أهمها دعم حلقات الإنتاج المحلية على تنوعها واختلافها، إلى جانب تعزيز دور غرف التجارة، وتقديم كافة التسهيلات التي تسمح بالتواصل المباشر مع الخارج لاستقطاب أكبر قدر من الاستثمارات الى الداخل، وخاصة أنه لدينا ثلاثة أنواع من المستثمرين المستهدفين، الأول استثمار الفكر والثاني رأس المال أصحاب الشركات العملاقة في الخارج وخاصة السوريين، والنوع الثالث المستثمرين العرب والأجانب الذين يرغبون في الاستثمار في سورية، كونها بيئة فتية، وجاهزة لقبول الكثير من الاستثمارات..
وأوضح الحلاق أن هناك رغبة كبيرة لدى المستثمرين الخارجيين للاستثمار في سورية، إلى جانب رغبة الاستثمار المحلي الذي يدرك حقيقة السوق المحلية واحتياجاتها ومتطلباتها، إلى جانب أساليب التسويق الداخلي، وامتلاكهم الشركات والمصانع ، والمطلوب اليوم التعاون مع الدولة من خلال علاقة تكاملية قوامها غرف التجارة والصناعة والزراعة لتحقيق شراكة تكاملية تسمح بتعزيز قوة المنتج الوطني في السوقين المحلية والخارجية ..
وأضاف الحلاق أن ما يعنينا اليوم بالدرجة الأولى استقرار سعر الصرف، لأنه يحمل خطورة كبيرة تؤثر على كل مكونات العملية الإنتاجية والتسويقية ، لذلك الاستقرار مطلوب، لتحقيق الثبات واستقرار الأسعار وانخفاضها بصورة أوتوماتيكية، إلى جانب تحسين مستوى المعيشة، وتعزيز القدرة الشرائية للمواطن والتي هي محرك المعادلة الاقتصادية بكل أبعادها..