الحرية- آلاء هشام عقدة :
بين فوانيس الزينة وصواني الضيافة، وبين أصوات الزغاريد وأناشيد مخصصة لاستقبال الحجاج، لا تزال مدينة اللاذقية محافظة على طقوس استقبال الحجاج العائدين من الديار المقدسة، في مشهد يختلط فيه الدين بالتقاليد، والفرح بالانتماء.
ورغم تبدل الأزمنة وصعوبات المعيشة، لم تغب طقوس الترحيب بالحجاج عن أحياء المدينة التي تعكس روح الضيافة والكرم وتفرح الحاج بعد عناء أداء الطقوس، بل بقيت حاضرة بقوة في الذاكرة والوجدان، وإن اختلفت في الشكل أحياناً وبقيت في الجوهر.
زينة وأهازيج قبل الوصول
قبل أيام من عودة الحجاج، يبدأ أهل الحي وأقارب الحاج بالتحضير لاستقباله، فتُعلّق الزينة على واجهات الأبنية، وتُرفع لافتات تحمل عبارات مثل “حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً”، بينما تتوسط صور الحاج الزينة في بعض الأحيان، تُستخدم أغصان الريحان وأشجار السرو وشرائط الأضواء، ويشارك الأطفال بتعليق الفوانيس الورقية والملونة.
يقول أبو سامي، أحد سكان حي الصليبة: “منذ طفولتي ونحن ننتظر عودة الحجاج كما ننتظر العيد، نشارك في تزيين الشارع ونحضّر للعراضة الشامية، فهي فرحة لكل الحي وليس فقط للحاج .
ليلة الوصول تكون حافلة. تقام العراضة الشامية التقليدية بمشاركة أصدقاء الحاج وأبناء الحي، حيث ترفع الرايات البيضاء، وتطلق الزغاريد وتردد مواويل شعبية، وتقام المباريات إما في منزل الحاج أو في صالات مخصصة للحفلات وذلك لاستقبال ضيوف الحاج.
وتُقام موائد طعام مفتوحة تستقبل المهنئين، و تُذبح أضحية خصيصاً بالمناسبة. وتوزع على الضيوف هدايا رمزية أحضرها الحاج من الديار المقدسة، كالمسابح و السجادات والعطور وماء زمزم و السواك، بالإضافة لتوزيع الضيافة من راحة، شوكولا، و شوكولا بالتمر
وتقول أم لؤي، وهي والدة أحد الحجاج: تعبنا كثيراً، لكن لا شيء يُضاهي فرحة استقبال ولدي بعد أداء الفريضة، بيتي امتلأ بالناس والبركة، وكل من في الحي حضر للمباركة.”
ورغم التكاليف المعيشية التي فرضت نفسها على تفاصيل الحياة اليومية، لم تغب هذه الطقوس، بل حافظت عليها العائلات بقدر استطاعتها، حتى وإن اقتصرت في بعض الحالات على استقبال بسيط مع توزيع ماء زمزم والتمر.
ويؤكد أحد منظّمي العراضات في اللاذقية أن الإقبال على إحياء هذه العادة ما زال قائماً، حتى في الأحياء الشعبية، “لأنها تعبّر عن الفرح الجماعي، وتحمل روحانية خاصة تعجز المناسبات الأخرى عن الإتيان بها.
اليوم، بات مشهد استقبال الحجاج أكثر عفوية وأقرب إلى القلب، تقوده العائلة والجيران، وتُوثّقه عدسات الهواتف، وتتشاركه صفحات مواقع التواصل التي تمتلئ بصور الحاج فلان و”أم الحاج فلانة، وسط المباركات والتبريكات.
لا تقتصر الطقوس على الرجال، بل للنساء والأطفال حضور أساسي، حيث تتولّى النساء تحضير الطعام وتزيين المنزل، بينما يشارك الأطفال بحمل الزهور أو نثر الأرز والورود على رأس الحاج عند دخوله، في مشهد يحمل رمزية عميقة عن العائلة السورية وروح الجماعة.
بين أمسٍ لا توجد فيه ميزة التواصل والإنترنت ، الى حاضرٍ تسكنه الهواتف الذكية ومقاطع الفيديو، تبقى طقوس استقبال الحجاج في اللاذقية حالة اجتماعية متجددة. لا تعترف بالزمن، بل تنتصر للفرح، وتُكرّس قيم الكرم والبركة والرضا، في زمن تشتد فيه الحاجة إلى كل ما يقرّب القلوب.