الحريةـ سامر اللمع:
تشكل زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني إلى موسكو ولقاؤه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نقلة جريئة في السياسة الخارجية لسوريا الجديدة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد البائد.
فليس من السهل أن تقدم الحكومة السورية على إعادة التواصل مع دولة ساهمت وأثرت إلى حد كبير في مجريات الثورة السورية وتفوقها عسكرياً في مواجهة النظام البائد، وذلك بسبب الدعم العسكري الواسع الذي قدمته روسيا لنظام الأسد لقمع الثورة ما أدى إلى انكفاء الأخيرة مرحلياً إلى منطقة جغرافية صغيرة في شمال غرب سوريا لحين اللحظة الحاسمة التي تكللت بالنصر في الثامن من شهر كانون الأول عام 2024.
في أعراف السياسة الدولية، لا يوجد صديق دائم ولا يوجد عدو دائم، فعلاقات الدول تبنى وفقاً للمصالح بين دولة وأخرى على أساس الندية والتكافؤ حتى ولو اضطر أحد الأطراف للعض على جرح قديم وتناسي خلافات الماضي في سبيل تصحيح علاقة قديمة شابها انحراف مرحلي تبعاً لظرف مصلحي غير قابل للاستمرار.
نعم، لقد لعبت روسيا دوراً محورياً ويكاد يكون حاسماً في مجريات الدولة السورية بدءاً من عام 2015 حين تدخلت عسكرياً إلى جانب النظام البائد في محاولة يائسة لإنقاذه، إلا أنه ورغم الثقل العسكري الوازن وخاصة لسلاح الطيران الروسي لم يستطع النظام البائد تحقيق النصر الحاسم على الثورة السورية وذلك بفضل إصرار وعناد السوريين للخلاص من نظام جثم على صدورهم لأكثر من 54 عاماً ليتحقق أخيراً الحلم في التحرر والانطلاق لبناء دولة حديثة عصرية بمساعدة جميع الدول التي تمد يدها في هذه المرحلة.
في هذا الإطار، ظهر جلياً تغير في الموقف الروسي بعد تحرير سوريا، تمثل أخيراً في الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة موسكو في خطوة تعبر عن الرغبة الروسية في محو اضطرابات المرحلة الماضية على صعيد العلاقات بين البلدين ولبناء علاقات جديدة تقوم على الندية والمصالح المشتركة بما يحقق الخير للدولتين وشعبهما.
وفي الواقع، لا يمكن إنكار الثقل والتأثير الدولي الكبير لجمهورية روسيا الاتحادية في العديد من القضايا، فروسيا وهي وريثة الاتحاد السوفيتي ما بعد مرحلة الحرب الباردة تلعب دوراً كبيراً في التأثير بالسياسيات الدولية على نطاق واسع.
وهنا، فإن سوريا الجديدة تعي جيداً هذا التأثير وهذا الدور لموسكو، ومن هذا المنطلق كان من العقلانية السياسية أن يلبي وزير الخارجية السوري الدعوة لزيارة موسكو وتخطي عقبة الماضي والتطلع لتصحيحها وإزالة شوائبها والسير في بناء علاقة سليمة بين الدولتين تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
زيارة الشيباني إلى روسيا ولقاء وزير خارجيتها سيرغي لافروف, من المتوقع لها أن ترسم حدود المستقبل الجديد في العلاقة بين الدولتين, فروسيا لا تزال تحتفظ بقاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية وروسيا على مدار أكثر من 70 عاماً هي المزود الرئيسي للسلاح إلى سوريا, ناهيك عن عشرات الاتفاقيات بين البلدين في مجالات متنوعة, ومن هذا المنطلق تتجلى أهمية الزيارة لجهة تحديد مستقبل العلاقات بين البلدين على كافة الصعد العسكرية منها والاقتصادية في مرحلة جديدة من المفيد أن تستثمر الإرث الإيجابي للعلاقة الماضية بين البلدين ونبذ الإرث السلبي لها للانطلاق لبناء علاقات جديدة على أسس راسخة وصحيحة.