“الشيح” إقبال شعبي واسع ومخاوف طبية متصاعدة

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران:

في الأسواق الشعبية وعلى واجهات العطّارين، يفرض نبات الشيح حضوراً متجدّداً، يكاد يجعله يتصدّر قائمة الأعشاب الطبية الأكثر طلباً خلال هذا العام. وبينما تتناقل منصات التواصل معلومات متفائلة عن قدرته على مقاومة السرطان، يتزاحم الناس على شرائه، حاملين آمالاً تتراوح بين العلاج والوقاية، في وقت يتنامى فيه تحفّظ الأوساط الطبية التي ترى في هذا التوجّه خروجاً عن أسس الممارسة العلمية الرصينة.

من التراث العلاجي إلى خطاب الطب البديل

الشيح نبات عطري بري، ينمو في البيئات الجبلية وشبه الجافة، ويشكّل جزءاً من التراث العلاجي لدى السوريين، ولاسيما في الأرياف الساحلية، حيث استُخدم منذ القدم لعلاج اضطرابات المعدة، وتطهير الجروح، وطرد الطفيليات المعوية. الجديد اليوم لا يتعلق بهذا الإرث التقليدي، بل بالحديث المتصاعد عن مركّب “الأرتميسينين” الموجود في الشيح، والذي يُشار إليه في بعض الأبحاث المخبرية على أنه يمتلك خصائص تهاجم الخلايا السرطانية عبر آليات بيولوجية معقّدة تتضمّن إنتاج الجذور الحرّة وتحفيز ما يُعرف بـ”الموت الخلوي المبرمج”.

أسواق الأعشاب تحت ضغط الطلب

في مدينة اللاذقية وضمن سوق العطّارين القديم، بدا الإقبال على الشيح لافتاً هذا الصيف. رُزم مجفّفة وأكياس معبّأة بعناية، يعرضها الباعة في صدر محالّهم.
العم أبو محمد أحد العطّارين بيّن ” لصحيفتنا الحرية” أنّه يعيد طلب الكميات بوتيرة متسارعة ولاسيما أنّ الطلب تضاعف بشكل غير مسبوق منذ بداية الصيف، مؤكداً أن معظم زبائنه لا يقتصرون على أبناء المدينة، بل يشملون زواراً من محافظات بعيدة، فبعضهم يعود أسبوعياً لجلب كميات أكبر، خاصة ممن لديهم مرضى بسرطان الثدي أو القولون في العائلة.

روايات شخصية… بين الرجاء والتجربة

من خلال استقصاء آراء بعض الأهالي، تبيّن أنّ أغلبهم تلقّى المعلومات عن الشيح عبر وسائط رقمية، أو من أقارب وأصدقاء خاضوا تجربة استعماله.
إحدى المصابات بسرطان الثدي أكدت أنها بدأت باستخدام منقوع الشيح يومياً بالتوازي مع العلاج الكيميائي، واعتبرت أنّ حالتها شهدت تحسّناً، وإن كانت لا تعتمد عليه كعلاج بديل.
أيضاً مواطن آخر تحدّث عن التزامه بشربه صباحاً ضمن ما وصفه “بروتين وقائي” ضد السموم والأمراض المزمنة.

الحذر قبل التسرّع

في المقابل يتعامل الأطباء مع هذه الظاهرة بحذر شديد، الدكتور إدريس سليمان اختصاصي الأمراض الداخلية في مشفى جبلة الوطني، أشار إلى أنّ معظم المعلومات المتداولة عن الشيح لا تزال في إطار التجارب المخبرية، ولم تُترجم إلى دراسات سريرية مؤكدة على البشر. واعتبر أنّ الانجرار وراء ما وصفه بـ”الطب العاطفي” قد يحمل عواقب خطيرة، لا سيما حين يتوقّف المريض عن العلاج المثبت علمياً لصالح وصفات غير مضمونة التأثير.

وبيّن سليمان أنّ مركّب الأرتميسينين موجود فعلاً في بعض أنواع الشيح، لكن تركيزه يتفاوت حسب البيئة النباتية وطرق التجفيف والتحضير، ولا يمكن ضبط الجرعة العلاجية أو التأثير السريري من خلال غلي العشبة أو نقعها منزلياً.
كما حذّر من التداخلات الدوائية المحتملة بين مستخلصات الأعشاب وبعض العلاجات الكيميائية، خاصة في حالات الأورام الخبيثة التي تتطلّب مراقبة دقيقة.

تراجع الثقة يدفع نحو البدائل

على الضفة الأخرى، يرى بعض المعالجين بالأعشاب أنّ الإقبال الشعبي على الشيح لا يعكس بالضرورة ثقة مفرطة بفعاليته، بقدر ما يعكس فقداناً متزايداً للثقة بالنظام الصحي التقليدي، نتيجة لغلاء الأدوية وتراجع جودة الخدمات.
ويؤكّد هؤلاء أنّ اللجوء إلى الأعشاب الطبية بات خياراً اقتصادياً وثقافياً، ولاسيما في ظل صعوبات الوصول إلى العلاج التخصصي في المناطق البعيدة.

بين العلم والموروث:

وبين التفاؤل الشعبي والتوجّس العلمي، يبقى الشيح مادة خلافية تتأرجح بين الأمل المشروع والوهم المحتمل. ولا يبدو أنّ هذا الجدل سيتوقّف ما لم تبادر جهات علمية محايدة إلى إجراء دراسات سريرية موثوقة تضع حداً لحالة الضبابية، وتعيد توجيه خيارات الناس على أساس المعرفة لا الانفعال، وعلى ضوء الأدلة لا أمنيات الشفاء.

Leave a Comment
آخر الأخبار