الصناعة الوطنية بين التحديات والفرص.. طريق الإصلاح يبدأ بالشراكات

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:

مجموعة تحديات كبيرة ما زالت تواجه صناعتنا الوطنية، وتمنعها من الأداء المطلوب الداعم للحالة الاقتصادية العامة، رغم كل الإجراءات التي قدمتها الحكومة لإعادة صياغة تموضع جديد للقطاع الصناعي ضمن رؤية الحكومة لبناء إنتاجية وطنية بأبعاد مختلفة، وركائز تنموية تشمل كافة القطاعات للوصول إلى معيشة أفضل واقتصاد أقوى من كل المراحل السابقة وحتى القادمة.
الخبير الاقتصادي محمد جغيلي يشير في بداية حديثه لـ «الحرية» إلى أن الصناعة الوطنية تحمل الكثير من الهموم نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، رغم الدور الهام الذي يقوم به القطاع الصناعي بشقيه الخاص والعام في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو الحامل للنظام السياسي والاقتصادي في سورية.

خبير اقتصادي: الصناعة الوطنية تحتاج إلى تشاركية واضحة واستراتيجية تعاون جديدة

تحديات ومواجهة صعبة

هذا الواقع يشير إلى عدم إعطاء القطاع العام الصناعي حقه من الرعاية والاهتمام، سيما ما يتعلق بالتطوير التكنولوجي والبحث العلمي وتأهيل العمالة بما يمكنها من التعرف والتعامل مع متطلبات التكنولوجيا الحديثة، ووضع دفاتر شروط تنظم العملية الإنتاجية والتسويقية، وتواكب التطورات الحاصلة في عالم الصناعة والتصنيع.
جغيلي يشير إلى أن الصناعة المحلية شهدت خلال المراحل السابقة نمواً متصاعداً، خاصة القطاع الخاص، وسجلت حضوراً متميزاً في الأسواق العالمية، وهذا يؤكد نجاح السلعة الوطنية في الأسواق الخارجية، خلافاً للمنتج العام الذي شهد معاناة ومشكلات كثيرة مثل الروتين والبيروقراطية وقصور خطوط الإنتاج وعدم إدخال التكنولوجيا الحديثة والمتجددة باستمرار، والتركيز على منتجات محددة استهلاكية لا تحتاج إلى التميز والدقة المطلوبة على اعتبارها مسوقة داخلياً بالكامل، مثل المياه والكونسروات والمنتجات النسيجية وغيرها كثير.

الحاجة إلى تغيير العقلية الصناعية

جغيلي يؤكد أن هناك حاجة ماسة لتغيير العقلية الصناعية التي تتبنى استراتيجيات التغيير والتبديل والتماشي مع محدثات وتقنيات كل مرحلة، وتغيير عقلية العمل لاسيما البيع والشراء وتطبيق القوانين وحتى ما يتعلق بعقلية التسويق. فالقطاع العام يمتلك إمكانات كبيرة جداً يستطيع من خلالها بناء قاعدة صناعية متطورة قادرة على التأقلم مع كل جديد وتمتلك مقومات المنافسة والبقاء بقوة في الأسواق المحلية والخارجية. لكن للأسف الشديد كان العمل خلاف ذلك سيد الموقف، حيث نشأت البيروقراطية في العمل وتراجع الأداء الإداري وفساد معظم جهازه وعدم تحديث خطوط الإنتاج، ما أدى إلى حالة من التخلف الصناعي لدى القطاع العام كان من الصعب تجاوزها، دون تجاهل تأثير ذلك على القطاع الخاص ووصوله إلى تلك النتائج ولو بحدود تتباين بين قطاع وآخر.

نحو منتج وطني واحد

فقدان التوازن للحالة التسويقية

وفي رأي جغيلي، هذا الواقع فرض حالة تسويقية صعبة للمنتج المحلي مقابل ما يدخل الأسواق المحلية من منتجات بصورة نظامية أو تهريباً لا نمتلك منافستها لا من حيث السعر ولا من حيث الجودة. وغالباً ما تدخل تهريباً تتمتع بسعر أقل وجودة سيئة، مقابل تكاليف مرتفعة وأسعار مرتفعة للمنتج المحلي. الحل يكمن في إيجاد عملية توازن بين التكاليف الفعلية وما يترتب عليها من مدفوعات وبين الجودة التي تضبط الإيقاع في الأسواق.

استراتيجيات فاشلة

هنا لم يُخفِ الخبير جغيلي سعي الحكومات المتعاقبة لوضع استراتيجيات عمل تضمن النهوض بالواقع، حيث كانت تناقش على أعلى المستويات في الحكومة والجهات الإدارية الأخرى، إلا أن هذه الخطط كان مصيرها الفشل لأسباب مختلفة، منها عدم توافر السيولة المطلوبة لتطبيق آليات التغيير والإصلاح والتحديث لمكونات العملية الإنتاجية، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التراجع والفشل ونمو فساد إداري ومالي رافقه تفضيل المصلحة الخاصة على العامة، ونشوء بيروقراطية مقنّعة كانت السبب في تدمير قوة الإنتاج المحلي خلال العقود الماضية، خاصة لدى جهات التصنيع العامة، ما أدى إلى تخلف على مستوى التصنيع لا نحسد عليه.

التغييرات المطلوبة

للخروج من هذا الواقع، لا بد من تغييرات فورية مطلوبة على أرض الواقع تبدأ بتغيير العقلية الإدارية والإنتاجية ليس في القطاع العام فحسب بل في القطاع الخاص أيضاً، والدخول في تشاركية فعالة واستثمارات تحقق المنفعة المتبادلة لكلا الطرفين من استثمار الشركات المتوقفة والقائمة، وتعديل كافة الأنظمة والقوانين القديمة والحديثة بما يتماشى مع الجديد وينهي بيروقراطية العمل ويضمن حرية التفكير والتنفيذ. إلى جانب ذلك يجب توفير السيولة اللازمة التي تمثل قوة التنفيذ الأولى في عمليات التغيير وتطوير الآليات والعمل أيضاً على تخفيض التكاليف وتصويبها باتجاه مكون تأمين المنافسة للمنتج الوطني، خاصة أن معظم منتجاتنا تعتمد على المواد الأولية المتوافرة محلياً. والأهم تغيير عقلية التسويق، وهذا لن يتم إلا بتحقيق تشاركية واضحة وصريحة مع القطاع الخاص وتبني استراتيجية تعاون تحت مظلة «منتج وطني واحد». عندها يمكن القول إن الصناعة الوطنية خرجت من نفق الصراع على البقاء وفرضت نفسها بقوة في السوق المحلية والخارجية على السواء.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار