الحرية – دينا الحمد:
لا يكاد يمر اجتماع وزاري أو رئاسي عربي، أو لقاء ثنائي سوري عربي، إلا ويشدد المجتمعون على التزامهم الكامل بدعم سوريا الجديدة وحكومتها لإعادة الإعمار والبناء من جهة ورفض العدوان الإسرائيلي المتكرر من جهة ثانية، ولا يكاد ينتهي مؤتمر دولي أو لقاء ثنائي لدولة غربية مع مسؤولين سوريين إلا ويؤكد الجميع على حرصهم على تحقيق مستقبل أكثر استقراراً وحرية وازدهاراً للشعب السوري، وضرورة أن يوقف المحتل الإسرائيلي اعتداءاته على سوريا.
لكن السؤال المفترض هنا هو: كم هي حدود الضغط العربي والدولي على «إسرائيل»، وهل سيعيد نتنياهو حساباته بعد وقوف معظم دول العالم إلى جانب سوريا وليس إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي؟.
للإجابة عن هذا السؤال المهم لابد أولاً من الإشارة إلى أن معظم الحكومات العربية والغربية، إضافة إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، تؤكد في كل مناسبة، ومنذ الأسابيع الأولى لرحيل النظام البائد، على التزامها بدعم الحكومة السورية على عدة مستويات.
أول تلك المستويات هو المساعدة بإحراز تقدم نحو انتقال سياسي شامل وتمثيلي يحترم حقوق جميع السوريين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية، ودعم الحكومة السورية لتحقيق توجهاتها في هذا الإطار، وثاني تلك المستويات أهمية معالجة الاحتياجات الإنسانية المستمرة في سوريا وتعزيز التعافي الاقتصادي، والاستقرار الكامل عبر تدفق الاستثمارات ورفع العقوبات التي تعد أكبر عائق بوجه إعادة الإعمار، فإنهاء الحصار والعقوبات من شأنه أن يجعل من سوريا دولة مستقرة ومزدهرة، وهو ما يصب في مصلحة الشعب السوري والمنطقة برمتها.
وعلى مستوى آخر تدعو معظم العواصم، إضافة للمنظمات الإنسانية، إلى رفع مستوى الدعم الدولي إلى الدرجة التي تسمح بوضع حد للمعاناة والنزوح اللذين طالا ملايين السوريين ممن أُجبروا على الفرار من ديارهم خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، لأن العائدين يواجهون تحديات هائلة، فالمنازل والبنية التحتية المدمرة، والخدمات الأساسية الضعيفة والمتضررة، والنقص في فرص العمل، كلها تشكل تحديات كبيرة في وجه العودة والتعافي، ولن يتم التعافي إلا بالتعاون بين الحكومة السورية والمفوضية الأوروبية ووكالات الأمم المتحدة وأهمها برنامج الأغذية العالمي، و«يونيسف»، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمنظمة الدولية للهجرة، ومنظمة العمل الدولية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف تهيئة الظروف المواتية للعودة، وإعادة الاندماج في المناطق المتضررة.
وأما المستوى الأهم من مستويات الدعم فهو المستوى السياسي، فالجميع دون مبالغة يؤكدون على الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها واستقلالها ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها، إضافة إلى رفض السياسات العدوانية الإسرائيلية عليها ومطالبة «تل أبيب» بالانسحاب من الأراضي التي تحتلها، وضرورة أن توقف الأخيرة اعتداءاتها على المدن والقرى السورية، لأن تلك السياسات تزعزع أمن سوريا وتهدد وحدة وسلامة أراضيها ومواطنيها، وتقوض جهود حكومتها للحفاظ على الأمن والاستقرار.
وفي هذا التفصيل الخاص بالانسحاب من الجولان المحتل تؤكد معظم العواصم دعمها لسوريا وتحديداً ما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 2782 بشأن ضرورة التزام «إسرائيل» باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، والانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد الثامن من كانون الأول ٢٠٢٤.
أخيراً عودة للسؤال الأول: ما مدى الضغط العربي والدولي على «إسرائيل» وهل يعيد نتنياهو حساباته العدوانية والتوسعية؟
الإجابة في غاية التعقيد لأنه لا يكفي أن تطالب دول العالم بكذا وكذا بل عليها ممارسة الضغوط على الأرض لجعل «إسرائيل» تلتزم بالقرارات الدولية وتوقف عدوانها، وما جرى خلال عامين في غزة خير شاهد، فكل العالم يطالب بوقف المجازر لكنها لم تتوقف، وأما نتنياهو فما عليه إلا أن يعيد حساباته لأن الحق في نهاية المطاف هو المنتصر.
العالم يؤازر سوريا ويرفض الاعتداءات الإسرائيلية.. فهل يعيد نتنياهو حساباته؟

Leave a Comment
Leave a Comment