ترجمة وتحرير- لمى سليمان:
اعتراف طال انتظاره بدأ به رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وآخرون منتقين كلماتٍ جميلة، ولكن بعد كل هذه الفظائع، سيقول الكثيرون كلاماً قليلاً ومتأخراً جداً، ويبقى الأهم أن الفلسطينيين بحاجة إلى دعمٍ غير مشروط وفوري.
جاء في مقال للكاتبة نسرين مالك على موقع «الغارديان» البريطاني: هذا هو ملخص الاعتراف المنسق بدولة فلسطينية من قِبل كندا وأستراليا وبريطانيا. تُمثل هذه البادرة الحاسمة لحظة تاريخية لم تُدوّن فيها الأحداث، بل صُحّحت. لطالما وُجدت الدولة الفلسطينية، والاعتراف بهذه الحقيقة يُضفي مصداقية على المُعترفين بها، وليس على مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم غير القابلة للتصرف.
وفي إطار الموجة المُتغيّرة ضد إسرائيل، حتى في الولايات المتحدة، يُرسّخ الاعتراف بدولة فلسطينية ما يبدو أن إسرائيل مُلتزمة بمحوه نهائياً – وهو المطالبة المشروعة للفلسطينيين بأرضهم. إن تسمية الدولة الفلسطينية والإصرار عليها أمرٌ بالغ الأهمية. وكما صرّح الناشط عرب البرغوثي لصحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي، فإن الاعتراف يحمي فكرة الدولة الفلسطينية، لأن الحكومة الإسرائيلية «تتباهى» بأنها تقضي على فكرة الدولة الفلسطينية. ودبلوماسياً، عندما تعترف دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا بفلسطين، فهذا يعني «شيئاً ما».
هذه المبادرات, كما تقول الكاتبة, مهمة لا سيما لقضية تتعلق أساساً بحق الشعب في الوجود والسيادة على أرضه إن الحفاظ على هذه الفكرة، حتى لو لم تتراجع إسرائيل عن مسارها، يقاوم سعي الحكومة الإسرائيلية للسيطرة الكاملة والنهائية على الفلسطينيين دون إدانة أو اعتراف بمحو الحقوق الفلسطينية، ويمنح الدولة الفلسطينية مكانة واحتراماً وعلاقات دولية. وهناك وزن لبريطانيا، العضو في مجموعة الدول السبع والعضو الدائم في مجلس الأمن، إلى جانب فرنسا، في مواجهة الدعاية الأمريكية والإسرائيلية التي تخلط بين الاعتراف الفلسطيني ومكافأة حماس.
لكن الطريق إلى هذا الاعتراف كان «وضيعاً» في التنفيذ ومعيباً في المنطق. بالنسبة للحكومة البريطانية، كان التأخر والتردد سمتين أساسيتين في ردها على الوضع في غزة على مدى العامين الماضيين. لا تستطيع الحكومة الهروب من غموض كلمات كير ستارمر في تلك الأيام الأولى، عندما قال إن لإسرائيل «الحق» في قطع الكهرباء والماء عن غزة. ولكن ليس من العار أن نرفض دعم وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2023، ما أجبر أعضاء حكومة الظل على الاستقالة من مناصبهم من أجل التصويت على تعديل على دعوة خطاب الملك لوقف إطلاق النار.
لكن الإخفاقات ليست تاريخية فحسب، بل هي حالية، بل ومتزامنة مع الاعتراف. الحكومة التي تتحدث عن الإلحاح الشديد للوضع في غزة هي نفسها التي استقبلت الرئيس الإسرائيلي في «10 داونينج ستريت» في وقت سابق من هذا الشهر، وهو رجل استشهدت لجنة تابعة للأمم المتحدة بتصريحه بأن هناك «أمة بأكملها مسؤولة» عن هجمات 7 أكتوبر 2023 على أنه تحريض على الإبادة الجماعية. وهي أيضاً نفس الحكومة التي نشرت كامل قوتها على مئات المتظاهرين السلميين المعترضين على حظر حركة فلسطين. وعلى الرغم من تعليق مبيعات وتراخيص الأسلحة الهجومية لإسرائيل، لا تزال الشركات البريطانية تزودها بآلاف المعدات العسكرية، بما في ذلك الذخائر التي تشمل القنابل والقنابل اليدوية والطوربيدات والألغام والصواريخ.
وتتابع الكاتبة: إن ضغوط الرأي العام وحدها هي التي دفعت الحكومة إلى هذا التعليق الجزئي. سواءً تعلق الأمر بفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف لتحريضهم على العنف ضد الفلسطينيين، أو بالاعتراف بدولة فلسطينية، لطالما تباطأت الحكومة في التحرك، وحتى في هذه الحالة لم تُنتج سوى أنصاف حلول وتصريحات مُربكة. وهذا أمرٌ لا مفر منه عندما لا تنبع ردود أفعالها من واجب سياسي، بل من ضغط وحسابات. هذه الحسابات لا تُحقق النتيجة المرجوة أبداً، وهي إظهار حكومة مُسيطرة على الوضع، لأنها تسعى باستمرار إلى التوفيق بين أمرين لا يجتمعان: استرضاء الرأي العام، مع عدم إحداث قطيعة حقيقية مع الدولة الإسرائيلية.
ونقلاً عن الكاتبة: النتيجة هي أن إعلان نية الاعتراف بدولة فلسطينية قد أُضعف بالفعل بسبب تصوره الغريب، المُصاغ حول شروط معينة يجب على إسرائيل الوفاء بها، بما في ذلك وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات إلى غزة، لمنع الاعتراف. فإما أن يكون للفلسطينيين حق غير قابل للتصرف في الدولة وتقرير المصير أو لا، وربط هذا الحق بخضوع المحتل يُرسخ فكرة غير واقعية، إن لم تكن خيالية، مفادها أن لإسرائيل أي مصلحة في السعي إلى حل الدولتين بينما هي تندفع بإصرار في الاتجاه المعاكس. من الواضح الآن، بعد عامين من الإبادة الجماعية، أن الحكومة الإسرائيلية ليست حكومة يمكن تهديدها أو حثها أو توبيخها لوقف انتهاكها لحقوق الإنسان والحقوق السياسية الفلسطينية.
لهذا السبب لا يمكن أن تكون الدولة الفلسطينية رافعة وهمية أو اعترافاً غير مرتبط بأي شيء، شيء ينتهي به الأمر إلى غطاء للحكومات الغربية لتدّعي أنها اتخذت خطوات كبيرة، وبالتالي تحصل على فرصة. لا يُمكن أن يكون هذا الأمر مجرد ذريعةٍ للضغط، وإعفاءً للذين يُطالبون باتخاذ إجراءاتٍ إضافية. بل يجب أن يكون أكثر من مجرد غايةٍ في حد ذاته.
وتبين الكاتبة: أنه من الممكن أن تكون هذه مجرد إشارات حماسية وهادئة، دون أن تصاحبها أي إجراءات ملموسة لوقف الإبادة الجماعية وغزو غزة وإعادة توطينها: تطهير عرقي ثانٍ للشعب الفلسطيني، وضم وشيك للضفة الغربية. يجب أن يُدعم ذلك بنوع من العقوبات والحظر التجاري والعزل الدولي. وحتى في هذه الحالة، لن تكون هذه الإجراءات سوى بداية على طريق سحب الشرعية العالمية من دولة إسرائيل، بدعوى أنها أصبحت دولة خارجة عن القانون منذ زمن طويل.
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوةٌ كبيرةٌ من جانب الدول التي حجبت هذا الحقَّ طويلاً، وسنسمع الكثير من عبارات «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً» خلال الأيام القليلة القادمة. لكنّ أهمية هذه الخطوة قد تضاءلت أمام الأحداث الجسيمة التي شهدناها خلال العامين الماضيين: جرائم حرب وفظائع لم يتفاعل العالم معها بشكلٍ متناسب.
وتختم الكاتبة بتساؤل: هل من الممكن القول «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً؟».. لقد قُتل وشُوِّه وجُوّع الكثيرون، لذا لا يُمكن أن تكون هذه العبارة سوى جملةٍ سطحيةٍ تُسلِّمنا بسياسةٍ تُصبح فيها أدنى التوقعات أفضل ما يُمكن أن نأمله، إذا كانت الخطوات القادمة جميعها خيرٌ من «أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً» فإنّ محصلة هذا العمل التاريخيّ الكبير، بقدر ما سيُغيّر مصيرَ فلسطينيٍّ واحدٍ على الأرض، هي صفر ولكي تكون هذه الخطوةُ بالغةَ الأهمية، يجب أن تتبعها خطواتٌ تُلبّي اللحظةَ الراهنةَ عملياً، تتجاوزُ التصريحاتِ السياسية.