ترجمة وتحرير: لمى سليمان:
قالت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استبعد إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا لفرض اتفاق سلام محتمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متراجعاً عن وعده بتزويد كييف بضمانات أمنية وصفها الحلفاء الأوروبيون بأنها تقدم كبير نحو وقف غزو الكرملين لأوكرانيا.
ونقلت الغارديان عن ترامب قوله في مكالمة هاتفية مع قناة «فوكس نيوز» حول ما إذا كان بإمكانه طمأنة المستمعين – بمن فيهم العديد من أعضاء قاعدته «ماغا» المؤيدين لسياسة خارجية انعزالية تضع أمريكا أولاً، بأن الولايات المتحدة لن ترسل قوات برية إلى أوكرانيا، وتابع قائلاً: «أنقل لكم هذا التأكيد بصفتي الرئيس».
ومع ذلك، فقد صرّح بأن واشنطن قد تكون مستعدة لتقديم دعم جوي لأوكرانيا لدعم أي اتفاق، الأمر الذي يعد تحولاً ملحوظاً في سياسة إدارته تجاه الصراع.
وأضافت الغارديان نقلاً عن ترامب بأنه سيكون هناك شكل من أشكال الأمن، لا يمكن أن يكون «ناتو»، مستبعداً انضمام أوكرانيا إلى التكتل الأطلسي، وتابع ترامب: «إنهم مستعدون لإرسال قوات برية، نحن مستعدون لمساعدتهم في بعض الأمور، وعلى الأرجح، إذا أمكن الحديث عن ذلك جواً».
وقد صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن بوتين وفولوديمير زيلينسكي أعربا عن «استعدادهما للجلوس معاً» مضيفة أن الترتيبات جارية لهذا الاجتماع.
وأفادت «بلومبرغ» نقلا عن ليفيت أن المجر أبدت اهتمامها باستضافة مثل هذا الاجتماع، وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد اقترح جنيف، حيث وعد وزير الخارجية السويسري بـ«الحصانة» لبوتين على الرغم من لائحة الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
في حين أعلنت روسيا أنها تعتبر نشر قوات من دول حلف شمال الأطلسي «ناتو» في أوكرانيا خطاً أحمر في المفاوضات، ورفض ترامب هذا القلق يوم الثلاثاء، وقال إنه لا يزال متفائلاً بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع بوتين.
ومن جهة أخرى وصف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو»، مارك روته، تعهد ترامب يوم الإثنين بتقديم ضمانات أمنية لضمان التزام روسيا باتفاق السلام بأنه إنجازٌ كبير، وذلك في الوقت الذي اجتمع فيه زيلينسكي والقادة الأوروبيون في البيت الأبيض لحضور قمة استثنائية.
وقد رفض ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد خلال القمة الإفصاح عما إذا كان من الممكن نشر قوات أمريكية في أوكرانيا، ما قد يُشكّل “فخاً” لمنع روسيا من استئناف الصراع في المستقبل.
في الوقت الذي عقد فيه القادة الأوروبيون محادثات جديدة يوم الثلاثاء بعد اجتماعهم في البيت الأبيض مع زيلينسكي وسط غموض بشأن استعداد بوتين للقاء الرئيس الأوكراني، وقد أفادت مصادر مقربة من المحادثات لوكالة «فرانس برس» أن بوتين اقترح لقاء زيلينسكي في موسكو، وهي منطقة معادية للرئيس الأوكراني الذي يُقال إنه نجا من عدد من مؤامرات اغتيال الكرملين. وقيل إن زيلينسكي رفض الدعوة.
ولا زال من غير الواضح ما إذا كان الزعيمان سيلتقيان، أو متى سيلتقيان، إذ من المقرر أن يحضر بوتين اجتماعاً للكتلة الأمنية لمنظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، الصين، نهاية آب، ما يُعقّد خطط عقد قمة ثنائية خلال الأسبوعين المقبلين.
وبحسب «الغارديان»، فقد عُقد أول اجتماع افتراضي لـ«تحالف الراغبين» الأوروبي، برئاسة مشتركة من كير ستارمر وإيمانويل ماكرون، قبل الانضمام إلى مؤتمر عبر الفيديو استضافه رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا.
وتهدف الجهود الدبلوماسية الأوروبية إلى دفع ترامب إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة مع بوتن، بعد أيام من قمتهما الودية في ألاسكا.
ليصرح ترامب، إلى جانب عدد من القادة الأوروبيين في واشنطن يوم الإثنين، بأن بوتين وافق على إجراء محادثات وجهاً لوجه مع زيلينسكي في الأسابيع المقبلة في محاولة لإنهاء الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ونصف في أوكرانيا، ومع ذلك، لم تؤكد موسكو بعدُ ما إذا كان أي اجتماع من هذا القبيل – والذي سيكون الأول بين الزعيمين منذ الغزو – قيد الإعداد.
وقال مساعد الكرملين، يوري أوشاكوف، إن بوتين وترامب ناقشا فكرة «رفع مستوى التمثيل» في محادثات أوكرانيا، وفي تصريحات أدلى بها في وقت متأخر من يوم الإثنين، لم يوضح أوشاكوف ما يستلزمه ذلك، ولم يشر إلى اجتماع ثلاثي محتمل بين ترامب وزيلينسكي.
في حين صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، للتلفزيون الرسمي بأن أي اجتماع بين الرئيسين الروسي والأوكراني يجب أن يكون مُعدّاً «بعناية فائقة».
وفي مقابلته مع قناة فوكس نيوز يوم الثلاثاء، أقر ترامب بأنه من المحتمل ألا يرغب بوتين في إبرام صفقة. وقال الرئيس الأمريكي “سنعرف المزيد عن الرئيس بوتين خلال الأسبوعين المقبلين… من المحتمل أنه لا يريد إبرام صفقة”، مضيفاً أن بوتين سيواجه “موقفاً صعباً” إذا كان الأمر كذلك.
وكما جاء في «الغارديان»، فقد تمحورت محادثات يوم الثلاثاء بين الحلفاء الأوروبيين مسألة الضمانات الأمنية التي يمكن تقديمها لأوكرانيا، في حين وصف زيلينسكي الضمانات الأمنية بأنها «قضية محورية، ونقطة انطلاق نحو إنهاء الحرب»، وأعرب عن تقديره لإشارة ترامب إلى استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في هذه الضمانة. قائلاً إن هذه الضمانات “ستُصبح رسمية بطريقة ما خلال الأسبوع أو العشرة أيام المقبلة”، وهو ما قد يكون وقتاً طويلاً في ظل الدبلوماسية التي ينخرط فيها البيت الأبيض بقيادة ترامب.
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من يوم امس الأول، قال ترامب إن محادثات البيت الأبيض تضمنت خططاً للدول الأوروبية لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، على أن تقوم الولايات المتحدة بدور «المنسق».
في حين طرحت بريطانيا وعدد من الحلفاء الأوروبيين فكرة «قوة طمأنة» يمكن إرسالها إلى أوكرانيا بموجب اتفاق سلام مستقبلي لردع أي عدوان روسي متجدد، وستحتاج خططهم إلى دعم أمريكي قوي، وقد عارض ترامب نشر قوات أمريكية كضامن لأي تسوية.
أصدرت موسكو بياناً رفضت فيه أي احتمال لنشر قوات تابعة لحلف الناتو في أوكرانيا. وقالت وزارة الخارجية الروسية: «نؤكد رفضنا القاطع لأي سيناريوهات تتضمن نشر قوة تابعة للناتو في أوكرانيا».
في حين شملت المقترحات الأخرى للضمانات الأمنية أن يقدم الحلفاء الغربيون لأوكرانيا حمايةً على غرار المادة الخامسة، على غرار تعهد «ناتو» بالدفاع الجماعي الذي يعتبر أي هجوم على أحد أعضائه هجوماً على الجميع.
وفي بيانٍ صدر عقب اجتماع البيت الأبيض يوم الاثنين، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إنه في حين أن أوكرانيا لن تنضم إلى «ناتو»، فإن الحلفاء الغربيين سيلتزمون «ببندٍ أمنيٍّ جماعيٍّ يسمح لأوكرانيا بالاستفادة من دعم جميع شركائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، المستعدين للتحرك في حال تعرضها لهجومٍ جديد».
وأوضح زيلينسكي أن أوكرانيا سترفض أي اتفاقٍ يحدّ من حجم قواتها المسلحة، مُصرًاً على أن «جيشاً أوكرانياً قوياً» يجب أن يكون جزءاً من الضمانات الأمنية للبلاد، تتعارض هذه المقترحات مع الشروط التي حددها بوتين سابقاً على أنها مقبولة لإنهاء الحرب.
وفي حين تبنى القادة الغربيون نبرةً متفائلةً ومهنئةً تجاه ترامب في البيت الأبيض، إلا أن الفجوة بين مطالب روسيا واستعداد أوكرانيا للتنازل لا تزال شاسعة، لا يزال هناك لبس واسع النطاق حول ما اقترحه ترامب تحديداً، وما إذا كان بوتين قد وافق عليه أصلاً خلال قمة ألاسكا، ويخشى البعض أن يكون ترامب قد بالغ في تقدير النتيجة وأساء تقدير استعداد موسكو للتنازل.
وعلى الرغم من أن اجتماع البيت الأبيض لم يسلط الضوء على شروط بوتين الإقليمية، فقد طالب الزعيم الروسي بانسحاب أوكرانيا من دونيتسك ولوغانسك، لكن زيلينسكي وضع خطًا أحمر صارماً ضد التنازل عن أراضٍ خارج نطاق الاحتلال الحالي أو إضفاء الشرعية على سيطرة موسكو.
وختمت الغارديان بنقل قول بعض المراقبين الذين أكدوا إنه على الرغم من كل المناورات الدبلوماسية، لم يكن هناك تقدم حقيقي يُذكر نحو إنهاء الحرب، وقد كتب جيرار أرو، السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة، على موقع «x»، «لم يحدث شيء في أنكوريج يوم 15 أب، لم يحدث شيء أمس في واشنطن العاصمة»، مضيفاً أن «بوتين وزيلينسكي والقادة الأوروبيون شعروا جميعاً بالارتياح كونهم تجنبوا اتخاذ ترامب قرارات غير مرغوب فيها، لقد كان انتصار للغموض الفارغ والالتزامات التي لا معنى لها».