ترجمة وتحرير: لمى سليمان:
تحدثت صحيفة «الغارديان» البريطانية بلسان كاتبها كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة حقوق الإنسان «Human Rights Watch» عن وجوب محاكمة الرئيس المخلوع بشار الأسد من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وقال روث في مقاله: هناك أنظمة قليلة في العالم تتسم بقسوة حكومة بشار الأسد، اذ لم يكن هناك حد لما كانت ستفعله تلك الحكومة للحفاظ على قبضته على السلطة، بما في ذلك إلقاء الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة على المدنيين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وتجويع وتعذيب و«إخفاء» وإعدام من كان يُنظر إليهم على أنهم معارضون وقد تجاوز عدد الضحايا مئات الآلاف.
ويتابع روث مؤكداً أنه ومنذ رحل الأسد في شهر كانون الأول الماضي بعد أن أطاحت به هيئة تحرير الشام التي استلمت الآن مقاليد السلطة في دمشق وعد الرئيس أحمد الشرع بحكم أكثر شمولاً واحتراماً للحقوق «ولا يزال الجدل محتدماً حول ما إذا كان سيفي بهذه الوعود».
لكن هروب الأسد إلى موسكو لم يضعف الرغبة في العدالة، ولا ينبغي أن يُضعفها/ فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكبر سناً بكثير من الأسد، ولن يبقى رئيساً لروسيا إلى الأبد، وكما أرسلت الحكومة الصربية الرئيس السابق سلوبودان ميلوسيفيتش إلى لاهاي في عام 2001 مقابل تخفيف العقوبات، فقد تقتنع الحكومة الروسية المستقبلية بتسليم الأسد وأتباعه الذين انضموا إليه في المنفى كثمن لرفع العقوبات أو حتى الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
وبرأي روث فالعدالة تكون دائماً أفضل إذا أمكن تحقيقها محلياً، لكن في الوقت الحالي، لا يستطيع النظام القضائي السوري تحقيق ذلك. فقد سهّلت المحاكم السورية في عهد الأسد بشكل رئيسي قمعه الاستثنائي، وهي لا تُقدّم حالياً سوى أملاً ضئيلاً في محاكمات عادلة وشفافة، ولكنها ضرورية لتحقيق العدالة، إن إجبار الناس على الإدانة لن يؤدي إلا إلى تفاقم ظلم نظام الأسد، بدلاً من معالجته، اذ يحتاج معظم النظام القضائي السوري إلى إعادة بناء من الصفر.
في المستقبل المنظور، تُمثّل المحاكم الدولية الأمل الواقعي الوحيد لتحقيق العدالة، وأحد السبل الممكنة هو أن تمارس المحاكم الوطنية الولاية القضائية العالمية أو الولاية القضائية خارج الإقليم, وبالطبع هذا ممكن لأن جرائم الأسد شنيعة لدرجة أنها تندرج ضمن فئة الجرائم الخاضعة للملاحقة القضائية العالمية.
وقد اتُخذت بالفعل خطوات متواضعة في هذا الاتجاه، وكان معظمها يتعلق بجناة سوريين هربوا إلى الخارج وتم اكتشافهم، أبرزها القضية التي رفعها المدعون العامون الألمان في كوبلنز ضد ضابط مخابرات سوري كان يدير مركزاً للتعذيب، أُدين وحُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولكن حتى الآن لم يتم اعتقال الجناة الأعلى رتبة، على الرغم من أنهم أصبحوا أكثر عرضة لذلك منذ سقوط الأسد.
وقد خطت فرنسا خطوات أبعد من ذلك واتهمت الأسد نفسه بارتكاب جريمة شنيعة للغاية، وهي استخدام غاز الأعصاب، السارين، لقتل أكثر من 1000 شخص عام 2013 في منطقة الغوطة بالقرب من دمشق، ولكن من الأفضل تجنب المحاكمات الغيابية، كونها لا تُسهم كثيراً في تعزيز العدالة بغياب المشتبه به للدفاع عن نفسه، لكن هذه التهم الغيابية والتي تهدف إلى الضغط من أجل الاعتقال، جديرة بالثناء وينبغي على المزيد من الحكومات أن تحذو حذو فرنسا.
وحسب روث فإن الملاحقات القضائية الوطنية تتطلب استثماراً كبيراً من الدولة المدّعية، حتى مع افتراض المساعدة من الهيئة التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لجمع الأدلة لدعم مثل هذه الملاحقات القضائية، وهي الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، سيكون المنتدى الأكثر منطقية هو المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن للحكومات تجميع الموارد لدعم الملاحقة القضائية.
وقد غابت المحكمة الجنائية الدولية عن سوريا في عهد الأسد، وعرقلت روسيا والصين مساعي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنح السلطة القضائية عام ٢٠١٤، ومع تضاؤل احتمالات القبض على المسؤولين الأكثر إجراماً في ظل بقاء الأسد في السلطة، لم يُبدِ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أي اهتمام يُذكر بمتابعة مسارات أخرى محتملة للقضية.