الجولان السوري المحتل بين القانون والدبلوماسية.. ماذا يعني القرار الأممي الأخير؟

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس قراراً جديداً يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، ويطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل حتى خط الرابع من حزيران 1967، وقد حظي القرار بتأييد 123 دولة مقابل 97 دولة فقط في العام الماضي، فيما عارضته سبع دول وامتنعت 41 دولة عن التصويت.
هذا التصويت يعكس تحوّلاً ملحوظاً في المواقف الدولية، ويؤشر إلى نجاح الدبلوماسية السورية في حشد دعم أوسع لقضيتها الوطنية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.

خلفية القرار الأممي

منذ عام 1981، حين أعلنت «إسرائيل» فرض قوانينها وإدارتها على الجولان المحتل، اعتبرت الأمم المتحدة هذا الإجراء «باطلاً وملغى» بموجب قرار مجلس الأمن رقم (497)، والقرار الجديد للجمعية العامة يعيد التأكيد على هذه الحقيقة، ويشدد على أن اكتساب الأراضي بالقوة أمر غير مشروع، وأن استمرار الاحتلال يشكل عقبة أمام تحقيق سلام عادل وشامل.

دلالات التصويت المتزايد

إن ارتفاع عدد الدول التي صوّتت لصالح القرار الأممي بشأن الجولان من 97 دولة في العام الماضي إلى 123 دولة هذا العام، يعكس بوضوح اتجاهاً دولياً متنامياً نحو دعم الموقف السوري.
هذا التحول لا يقتصر على دول بعينها، بل يشمل طيفاً واسعاً من القوى الدولية والإقليمية، حيث برزت دول أوروبية مؤثرة مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب دول آسيوية وإفريقية، الأمر الذي يؤكد أن قاعدة الدعم لم تعد محصورة في نطاق جغرافي محدد، بل باتت تمتد عبر قارات مختلفة.
ومن اللافت أن بعض الدول التي كانت تمتنع عن التصويت في السنوات السابقة، اختارت هذه المرة الانضمام إلى صف التأييد، وهو ما يجسد احترامها الصريح لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويمنح القرار ثقلاً إضافياً في الساحة الدبلوماسية.
هذا التوسع في قاعدة المؤيدين يعكس أيضاً نجاح الجهود السورية في إعادة بناء علاقاتها الخارجية، ويؤشر إلى أن المجتمع الدولي بات أكثر استعداداً لتبني موقف واضح ضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، بما يفتح الباب أمام تحولات أوسع في المواقف السياسية المرتبطة بالقضية السورية عموماً.

البعد الدبلوماسي السوري

أعربت وزارة الخارجية السورية عن شكرها العميق للدول المؤيدة، وخصّت بالذكر جمهورية مصر العربية التي تقدمت بمشروع القرار، كما أشادت بالدول التي غيّرت موقفها هذا العام، معتبرة أن ذلك يعكس نجاح الجهود الدبلوماسية السورية في إعادة بناء علاقاتها الدولية بعد سنوات من العزلة.
ويكشف هذا التصويت أن سورية استطاعت، رغم الظروف الداخلية الصعبة، أن تحافظ على ملف الجولان كأولوية وطنية ثابتة، وأن توظف أدواتها الدبلوماسية لإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيتها، ويُظهر أيضاً أن السياسة السورية لم تقتصر على الدفاع عن الموقف القانوني والسيادي، بل امتدت إلى إعادة صياغة شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية، بحيث باتت قادرة على استقطاب دعم من دول كانت في السابق متحفظة أو معارضة.
من زاوية أخرى، فإن ذكر مصر بالاسم يعكس أهمية الدور العربي في دعم الموقف السوري، ويشير إلى أن دمشق تسعى لإعادة تفعيل البعد العربي في سياستها الخارجية، بعد أن كان هذا البعد شبه غائب خلال سنوات الحرب والعزلة، كما أن إشادة الخارجية بالدول التي غيّرت موقفها هذا العام توضح أن هناك تحوّلاً تدريجياً في المزاج الدولي، وأن الجهود السورية نجحت في كسر حالة الجمود التي كانت تحيط بملف الجولان.
وعلى المستوى الأوسع، يمكن قراءة هذا التصويت كرسالة مزدوجة:
أولاً، إن المجتمع الدولي بدأ يتعامل مع سوريا كدولة مستقرة نسبياً وقادرة على إدارة ملفاتها السيادية.
ثانياً، ثانياً، إن أدوات الضغط السابقة مثل العقوبات والعزلة السياسية فقدت فعاليتها في عزل دمشق عن محيطها الدولي، مع بدء دول كبرى في إعادة النظر بمواقفها، وهو ما يعكس تحوّلاً إيجابياً لصالح سوريا في المشهد الدبلوماسي العالمي..
وبذلك، فإن البعد الدبلوماسي السوري لا يقتصر على تحقيق مكاسب آنية في ملف الجولان، بل يعكس إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، وتوظيف الشرعية القانونية والسياسية لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.

الأبعاد القانونية والسياسية

ولفهم أهمية القرار الأممي الأخير حول الجولان، لا بدّ من التوقف عند أبعاده القانونية والسياسية التي تشكّل جوهر الموقف الدولي من الاحتلال.

1- مبدأ عدم جواز ضم الأراضي بالقوة

هذا المبدأ منصوص عليه في المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة العسكرية. وقد أكدت قرارات مجلس الأمن مثل القرار 242 (1967) والقرار 497 (1981) أن ضم إسرائيل للجولان باطل وملغى ولا يترتب عليه أي أثر قانوني.

2- عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الجولان

تستند هذه النقطة إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تمنع قوة الاحتلال من نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، لذلك فإن أي مستوطنة أو نشاط اقتصادي أو إداري في الجولان يُعد غير قانوني وفق القانون الدولي.

3- حق الشعوب في تقرير مصيرها

هذا الحق منصوص عليه في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحق الشعوب في تقرير المصير والسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية. وبناءً عليه، فإن سكان الجولان يتمتعون بحق أصيل في السيادة على أرضهم ومواردهم الطبيعية.

4- العزلة الدولية لإسرائيل

تظهر هذه النقطة من خلال نتائج التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يعارض القرار سوى سبع دول فقط (بينها الولايات المتحدة وبعض الدول الصغيرة)، بينما أيّدته أغلبية ساحقة. وهذا يعكس أن المجتمع الدولي لا يعترف بشرعية الاحتلال ويضع إسرائيل في عزلة متزايدة.

المساءلة الدولية

يمكن الاستناد إلى هذه القرارات أمام محكمة العدل الدولية أو مجلس حقوق الإنسان، لتأكيد بطلان السياسات الإسرائيلية في الجولان والمطالبة بإنهاء الاحتلال. وهذا يمنح سوريا وحلفاءها سنداً قانونياً إضافياً في المفاوضات والمحافل الدبلوماسية.

انعكاسات القرار على المنطقة

من الناحية السياسية، يعزز القرار موقف سورية في أي مفاوضات مستقبلية، ويمنحها سنداً قانونياً ودولياً لا يمكن تجاهله، كما يوجه رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لا يعترف بالاحتلال الإسرائيلي للجولان، وأن استمرار هذا الوضع يعرقل فرص السلام الشامل في الشرق الأوسط.
أما من الناحية الدبلوماسية، فإن القرار يفتح الباب أمام سورية لتوسيع شبكة علاقاتها الدولية، خاصة مع الدول التي غيّرت موقفها مؤخراً، هذا التحول يمكن أن يُستثمر في ملفات أخرى، مثل إعادة الإعمار أو التعاون الاقتصادي.

التحديات القائمة

رغم أهمية القرار، يبقى تنفيذه رهناً بميزان القوى الدولية، فـ«إسرائيل» لم تلتزم سابقاً بقرارات الأمم المتحدة، وما زالت تفرض الأمر الواقع في الجولان، كما أن الدعم الأميركي لها يشكل عائقاً أمام أي تحرك عملي لتنفيذ القرار.
لكن مع ذلك، فإن تراكم هذه القرارات الأممية يرسخ موقفاً قانونياً وأخلاقياً يضعف شرعية الاحتلال، ويعزز أوراق الضغط السورية في المستقبل.
قصارى القول، إن القرار الأممي الأخير بشأن الجولان السوري المحتل يمثل انتصاراً دبلوماسياً لسورية، ويعكس اتجاهاً دولياً متزايداً لدعم حقها المشروع في استعادة أراضيها، ورغم أن التنفيذ الفعلي للقرار يواجه تحديات سياسية معقدة، إلّا أن أهميته تكمن في تثبيت الموقف القانوني الدولي، وتعزيز عزلة «إسرائيل»، وفتح آفاق جديدة أمام سورية لتوظيف هذا الدعم في مسارات سياسية ودبلوماسية أوسع.
إن الجولان سيبقى أرضاً سورية، والقرار الأممي الأخير ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التأكيدات الدولية على هذه الحقيقة، التي لا يمكن أن تُمحى مهما طال زمن الاحتلال.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار