الحرية – جواد ديوب:
كانت أول مسرحية له من إعداده وإسخراجه وتمثيله بعنوان “الابن الشاطر” عن قصة من الإنجيل، ثم في المرحلة الثانوية قدم مسرحية أيضاً من إعداده وإخراجه واختيار الديكور والموسيقا والمكياج، وكان معه من زملائه يومها الفنان رشيد عساف، في هذه المرحلة من عمره عمل بالمكياج الفني في الشبيبة والجامعة والمسرح الخاص، واتضحت أكثر معالم الطريق الفني الذي سيستمر فيه إلى اليوم.
هو الفنان سهيل شلهوب (مواليد عام ١٩٥٠) الذي عمل مدرساً في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وقام بمكياج العديد من مشاريع طلاب المعهد، ومن أهمها: مكياج مشروع التخرج للدفعة ٣٨ لمسرحية “نابولي مدينة مفتوحة” عن مسرحية بعنوان “نابولي مليونيرة”، من إخراج الفنان حسن عويتي.
يحدثنا عن بداياته ويقول:
“بعد الثانوية سافرت إلى القاهرة ودرست في المعهد العالي للفنون المسرحية/قسم الإخراج والتمثيل وقدمت مع زملائي، منهم المرحوم فائق عرقسوسي، مسرحية “شاطئ الزيتون” من إخراج د.عبد الرحمن عرنوس. كما قدمت مشاريع التخرج عام ١٩٧٨: “ميراث الريح” لجيروم لورانس وروبيرت لي! ومعي فيها زميلي جهاد سعد إشراف محمد عوض، وقدمت مسرحية “ستريبتيز” لسلافومير ميروجيك ومعي زميلي جهاد سعد، من إشراف أحمد حلاوة، كما قدمت مسرحية “فاوست” للألماني جوته، وكانت معي الفنانة إلهام شاهين وهي لا تزال في الصف الثاني لكنني اخترتها وأصررت على وجودها معي.
ثم بعدها عدت إلى دمشق وكلفت بإدارة المسرح الجوال، وقدمت أربع مسرحيات، عرضت في المحافظات السورية، لكنني اختلفت مع الفنان أسعد فضة بالأمور الإدارية، وكنت حينها قد جهزت لعملٍ مسرحي بعنوان “المشخصاتية” مع علي كنعان، وبعد أن طبعنا النص ووزعنا الأدوار وباشرنا بالبروفات ومع هذا اعتذرت وتركت المسرح واتجهت إلى التلفزيون.
صناعة وفن!
نسأله: يبدو للمتابع المهتم أن الماكياج هو أقرب للفن التشكيلي وليس فقط تقنيعٌ وتستيرٌ وتعبئة فراغات لونية… ما هي رؤيتك الخاصة لعمليات الماكياج وهل تتقيد بتوجيهات المخرجين وما هو مكتوب في رسم الشخصيات؟
يقول: فن المكياج قريب من الفن التشكيلي ومختلف عنه، فالماكيير له حرية محدودة لأنه مقيد بنص مكتوب وبرؤية إخراجية وبممثل أو ممثلة، وإذا تغير الممثل أو الممثلة أو المخرج أو اللوكيشن أو مصمم الإضاء؛ فمن الممكن حينها أن نعيد تصميم مكياج الشخصيات بالكامل. الاحتمالات متعددة جداً فمن الممكن التجميل، وممكن التشويه، وممكن التصغير أو التكبير وممكن تصميم أشكال خيالية لا علاقة لها بمدى التطابق مع الواقع… كل هذا مقيد بنص مكتوب وبالرؤية والفكرة الإخراجية.
الماكيير فنان يعتمد على الدراما ويحتاج إلى الخيال – يتابع شلهوب كلامه- ودراسة الوجوه ومواد الماكياج وتصنيعها فهذه المهنة هي صناعة وفن، ويعتمد نجاح كثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية على إمكانيات فن المكياج وقدرة المكيير..
سُئِلَ نور الشريف مرة في مقابلة تلفزيونية عن إمكانيات المنطقة العربية من المواهب الفنية، فقال: إن الكاتب والمخرج والممثل والممثلة والفنيين… كل هذا موجود؛ لكننا نفتقر إلى الماكيير”.
على مدار الوقت!
* تعد مهنة الماكيير/الماكييرة (رغم جمالياتها) من أصعب المهن بكونها ملاصقة لمهنة شاقة أيضاً هي التمثيل… حدثنا عن صعوبات مررت بها وعن بعض حكايات طريفة حصلت معك!
هناك أعمال تستغرق فترة زمنية درامية طويلة وبعض الشخصيات نراها بعمر صغير ونراها عبر سنوات متتالية يعني نراها تكبر بمراحل حياتها أمام أعيننا مسيرة حياة طويلة. فهذا الممثل الذي نراه يكبر ويتغير عبر الزمن وعبر العمل، هنا يأتي دور الماكيير في صنع وتغيير ملامح هذا الممثل أو الممثلة لتتناسب مع عمر الشخصية في العمل، والصعوبة هي أننا نضطر أحياناً لأن نقوم بهذه التعديلات في اليوم نفسه ولعدة مرات! وهذا ما حصل معي عدة مرات حين غيرت مكياج الفنانة سلاف فواخرجي في مسلسل “الواهمون” خمس مرات في اليوم ذاته وبالسرعة القصوى، لأنها كانت تمثل شخصيتي توأم!
سلامة “الراكور”!
الفنان شلهوب ينوه إلى أهمية وسلامة الراكور، كأن يصور ممثل الدور بشارب مصطنع على وجهه ثم يعود إلى التصوير من غير شارب أو العكس! أو أن تنسى ممثلة أن دورها يتطلب شعراً طويلاً أو بلون معين، ثم حين نعود إلى التصوير بعد عدة أيام تظهر بشكل مختلف تماماً! وهذا اسمه خطأ في “الراكور” والذي من المفترض أن يكون متابعة لما سبق تصويره من دون تغيير بالشكل. مثلاً من الأشياء الطريفة أننا صورنا عملاً كان الممثل الذي يلعب دور الابن يبدو للناظر أن عمره أكبر من الممثلة التي تمثل دور الأم، وعلى الماكيير أن يظهر الأم والابن بالعمر المناسب والمتناسب!
الستايل أهم من الدور!
* وهل تجد صعوبة بالعمل مع الممثلات؟
بصراحة يعاني الماكيير في العمل مع الممثلات اللواتي يعتبرن أن المكياج هو أداة للتجميل فقط حتى لو كانت الممثلة تلعب دور متسولة أو بائعة خضرة أو فتاة فقيرة أو فلاحة، وكثيراً ما يُسايرُ المخرجُ بعض الممثلات والنجمات خوفاً من فقدانهن أو ردات فعلهن، وكثيراً ما نختلف ودياً على هذه التفاصيل المهمة جداً في تبيان مدى تناسب الماكياج مع كينونة الشخصية الدرامية وطبيعة مهنتها في الحكاية.
تكامل أدوار!
وينهي الفنان شلهوب حديثه معنا بالإشارة إلى ضرورة التنسيق المستمر بين خبير الماكياج ومدير التصوير والإضاءة وخبيرة تصميم الأزياء، يقول:
“كنتُ أعمل مرة في أحد الأعمال، واستدعوني إلى اللوكيشن (مكان التصوير) بسبب لون وجه الممثل الذي يظهر في المونيتور (الشاشة الصغيرة أمام المخرج) أصفرَ شاحباً، فما كان مني إلا توضيح السبب بأن ذلك سببه الكنزة التي يرتديها الممثل فهي التي تعكس اللون الأصفر على وجهه.. وهذا ما يجب على مصممي الملابس ومصممي الإضاءة الانتباه إليه دائماً”.