الحرية – رشا عيسى:
في الطريق نحو إعادة بناء سوريا الجديدة يبرز مشروع “المدينة الإدارية” كحل استراتيجي حيوي يعزز من كفاءة الإدارة العامة ويُسهم في تحسين الخدمات الحكومية، ما يعكس رؤية مستقبلية للبلاد تتسم بالتنظيم والشفافية والابتكار.
الدكتور نصر العمر، الباحث في شؤون إدارة الأعمال والسياسة، أشار في حديث لـ”الحرية” إلى أن سوريا بحاجة إلى قفزات نوعية على جميع الأصعدة بعد سنوات من التحديات الاقتصادية والإدارية، واعتبر أن المدينة الإدارية تمثل نواة إعادة بناء الهيكل الإداري للدولة، بما يضمن تسريع الإجراءات الحكومية وتقديم خدمات متميزة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء.
أهمية المدينة الإدارية..
وتأتي أهمية المدينة الإدارية في سياق ضروري لإعادة هيكلة الدولة وتطوير نظامها الإداري، خصوصاً بعد سنوات من التراكمات التي كانت مليئة بالترهل والفساد، وتساهم المدينة الإدارية في تلبية الاحتياجات العاجلة من خلال توفير خدمات حكومية فعّالة وقابلة للوصول بسرعة، بعيدًا عن الازدحام الذي تشهده المدن الكبرى.
أهداف المدينة الإدارية..
أوضح العمر أن المدينة الإدارية ستسهم في تحقيق عدة أهداف رئيسية، من أهمها تحسين تقديم الخدمات الحكومية وتوفير بيئة متطورة لتقديم خدمات حكومية ذات جودة عالية، تسهم في تحسين حياة المواطنين، إضافة إلى إعادة تنظيم الهيكل الإداري وتقسيم واضح للقطاعات الحكومية وإعادة هيكلة الوزارات والمديريات بطريقة تسهل سير العمل، وتقلل من الإجراءات البيروقراطية.
تعزيز شبكة المعلومات وتوفير شبكة معلوماتية داخلية وخارجية سريعة، تتيح سهولة الوصول إلى البيانات وتعزز من سرعة اتخاذ القرارات، وتقليل الفساد والترهل حيث إن المدينة الإدارية ستعتمد على نظام حديث يتسم بالشفافية، ما يقلل من فرص الفساد ويضمن فعالية الأداء الحكومي.
كما تساهم المدينة الإدارية في تخفيف الضغط عن المدن الكبرى لأن المدينة الإدارية ستكون بعيدة عن قلب المدن الكبرى، ما يساعد على تقليل الازدحام والضغط على المرافق العامة.
فوائد استراتيجية
وفي إطار الفوائد المتعددة التي ستحققها المدينة الإدارية، أضاف الدكتور العمر إن المشروع سيساهم في توفير فرص عمل جديدة، ويُعد مركزاً جاذباً للاستثمار المحلي والدولي، كما سيعمل على تحسين أداء الدولة والمؤسسات الحكومية.
كما أشار إلى أن المدينة ستكون بمثابة “الحاسوب الأكبر” لإدارة كل شؤون الدولة بشكل متكامل ومرن.
التحديات والفرص المستقبلية
بينما لفت إلى التحديات الكبيرة التي قد تواجه تنفيذ المشروع، مثل الحاجة إلى التمويل والموافقة على المخططات، أكد أن المدينة الإدارية ستكون نقطة انطلاق رئيسية نحو إعادة بناء سوريا وتحقيق التنمية المستدامة، وأوضح أن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا تتطلب استثمارات ضخمة، حيث يحتاج الأمر إلى حوالي 600 مليار دولار لإعادة الإعمار وحوالي 300 مليار دولار لتحفيز الاستثمارات في القطاع الخاص.
نماذج دولية ناجحة
وأضاف إن العديد من الدول مثل ماليزيا والإمارات العربية المتحدة، قد نجحت في تطبيق فكرة المدن الإدارية لتعزيز التنمية الاقتصادية والإدارية، ما يثبت فعالية هذا النموذج في تحسين الأداء الحكومي وجذب الاستثمارات.
وأكد الدكتور العمر ضرورة تنفيذ هذا المشروع في أسرع وقت ممكن، لأن المدينة الإدارية ستكون المفتاح لتطوير البنية الإدارية في سوريا ودفع عجلة الاقتصاد الوطني، وستتمكن سوريا من تحقيق تقدم ملحوظ، ما يضمن تحسين حياة المواطنين، ويعيد للدولة السورية مكانتها على الساحة الدولية خاصة بعد النصر الذي وصفه بـ”الهدية” من الثورة وبداية لمستقبل واعد جديد، وليس نهاية المطاف.
وأضاف إن المرحلة الحالية تتطلب إعادة بناء الدولة والإنسان معاً، لدفع عجلة الاقتصاد وتعزيز المصالحة الوطنية.
من تصريف الأعمال إلى البناء والعطاء…
تطرق الدكتور العمر إلى التحولات التي شهدتها سوريا، حيث انتقلت البلاد من مرحلة “تصريف الأعمال” إلى مرحلة “الحكومة المؤقتة”، وصولًا إلى مرحلة “البناء “، مشددًا على أهمية لملمة جراح الماضي والعمل على بناء سوريا جديدة تشمل جميع مكوناتها السياسية والاجتماعية.
وحدد الدكتور العمر أولويات المرحلة القادمة في سوريا، مشيراً إلى أن إعادة بناء الإنسان الحضاري ستكون الأهم في تحقيق نهضة شاملة.
وشدد على ضرورة مكافحة الفقر والفساد في مختلف أجهزة الدولة، وأوضح أن الدولة تسعى لإصلاح ما أفسده الماضي وتوفير بيئة اقتصادية أفضل.
إنجازات اقتصادية ودبلوماسية..
على الصعيد الاقتصادي، أشار الدكتور العمر إلى أن سوريا بدأت بالفعل إعادة فتح علاقاتها مع الدول العربية والدول الأجنبية، ما أسهم في توقيع استثمارات مهمة مع دول مثل المملكة العربية السعودية التي أبرمت اتفاقات استثمارية بقيمة 8 مليارات دولار خلال الأشهر الأخيرة، وأشار إلى الدعم القطري للقطاعات الحيوية في سوريا، وكذلك المساهمة الإماراتية في إعادة تأهيل الموانئ والمرافق الأساسية.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فقد وصف الدكتور العمر الدبلوماسية السورية بأنها “رائدة في فتح العلاقات مع جميع دول العالم”، مشيراً إلى الجهود المبذولة لإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأكد على أهمية إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، بما يساهم في رفع العقوبات المفروضة على سوريا.
دروس واستحقاقات لمستقبل سوريا..
حدد الدكتور نصر العمر عدة استحقاقات أساسية لسوريا خلال الأعوام المقبلة، ومنها: المصالحة الشاملة وتعزيز التلاحم الوطني بين جميع فئات المجتمع السوري عبر المصالحة الوطنية التي تضمن استقراراً اجتماعياً وسياسياً.
جذب الاستثمارات وكتابة دستور جديد تتوافق عليه جميع مكونات الشعب السوري ويُحترم من الجميع.
سياسة “صفر مشاكل”، واتباع سياسة خارجية وداخلية لا تعرف العداء، بل تسعى إلى إقامة علاقات سلمية ومتوازنة مع جميع الدول، وترسيخ التسامح و دعم القطاعات الخاصة والمساهمة في تعزيز العدالة الاجتماعية، من خلال التركيز على فئات المجتمع الأكثر حاجة.