الحرية ـ سراب علي:
من المؤكد المرأة عنصر داعم للسلم الأهلي، وركيزة أساسية فيه، فرغم سنوات الألم والمعاناة خرجت المرأة السورية من ركام الحرب والثورة، لا تحمل جراحها فقط، بل تحمل في قلبها مشروعاً وطنياً كبيراً، وتتصدر المرأة المشهد مجدداً، لكن هذه المرة بوصفها ركيزة أساسية في إعادة بناء المجتمع وترسيخ السلام الأهلي بين مكوناته.
صوتها ضمانة للسلام
من بين هذه النماذج تبرز الاستاذ الجامعية في قسم اللغة الانكليزية ندى منزلجي التي كرّست وقتها وجهدها لخدمة مشروع السلم الأهلي في سوريا ما بعد الثورة، وعملت على بناء مبادرات محلية في عدد من المدن السورية، حيث أسّست برامج دعم مجتمعي تستهدف النساء والأسر المتضررة من الحرب.
ونظّمت جلسات حوارية بين مكونات متباينة اجتماعياً وطائفياً، بهدف تعزيز المصالحة والثقة المتبادلة،كما شاركت في صياغة رؤية شاملة لمفهوم السلم الأهلي ضمن خطط إعادة الإعمار الاجتماعي، وركّزت على إشراك النساء في مواقع اتخاذ القرار.
هذا ولم تكتفِ بالعمل الميداني فقط، بل ساهمت أيضًا في صياغة أوراق سياسات وتوصيات موجهة للهيئات المدنية، وقدّمت صوتاً صادقاً يحمل وجع الناس وأحلامهم في مؤتمرات ومنصات دولية.
وأشارت منزلجي في حديثها لـ”الحرية” إلى أنه ،منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية، لم تكن المرأة غائبة فقد كانت في الصفوف الأمامية، تكتب الشعارات، وتنظّم المظاهرات، وتؤمّن الدعم الطبي والإغاثي.
وأضافت منزلجي: إن المرأة التي حملت شهيداً، وربّت يتيماً، وصبرت على الفقر والنزوح والقهر، قادرة اليوم على أن تكون قائدة حقيقية في مشروع السلم الأهلي، وتنهض سوريا عندما تأخذ النساء دورهنّ الكامل في صياغة مستقبلها، لأن السلام الذي لا تصنعه النساء لا يعمّر.
ليس مهمة للرجال فقط
ولفتت منزلجي إلى تحوّل دور المرأة من صوت يهتف في الشارع إلى صوت يزرع الثقة بين الجيران وبين الطوائف، وبين المدن التي فرقتها آلة القمع، لم تنتظر المرأة تعليمات من أحد، بل بادرت إلى تشكيل لجان نسوية محلية تعمل على تهدئة التوترات، ورأب الصدع الذي خلّفته سنوات القمع والاقتتال.
واضافت منزلجي: الخطاب العام في سوريا ما بعد الثورة بدأ يتغير لم يعد السلم الأهلي حكراً على الزعامات العشائرية أو القوى السياسية، فالنساء اليوم شريكات في السلام كما كنّ شريكات في الثورة وصوتهنّ بات مسموعاً وأفكارهنّ تحوّلت إلى برامج على الأرض، ومكانتهنّ باتت تستند إلى احترام حقيقي من المجتمع، بعد أن أثبتن في زمن الأزمة أنهن قادرات على القيادة والعطاء.
لكل مكون خصوصيته
بدورها أكدت مسؤولة رابطة معتقلي الثورة السورية في الساحل المعتقلة الناجية رانيا مروان عبد الوهاب أن سوريا شئنا أم أبينا تتكون من فسيفساء جميل ومكونات لكل منها خصوصية وتاريخ.
وأضافت : لكن مع الاسف سعى نظام الأسد الهارب لزرع الفتنة بين هذه المكونات من منطق فرق تسد، ولعب على وتر الطائفية وأوهم طائفته أنه الحامي الوحيد لهم.
وتابعت: أنا مع السلم الأهلي، ونحن متعايشون منذ سنوات مع جميع الطوائف نشأنا مع بعض، وبالمقابل أنا مع محاسبة الدولة لكل يد متورطة بدماء السوريين وخصوصاً بالسجون السورية التابعة للنظام السابق.
وطالبت رانيا كمعتقله سابقة بالعدالة الانتقالية وليس الانتقامية ومحاسبة المجرمين رؤوس النظام المجرم.
ولفتت إلى دور المرآة في مرحلة السلم الأهلي
فهي عنصر فعال في المحاضرات والندوات والتعايش مع الوضع الراهن، كما يكمن المرأة المثقفة والمتعلم بحضورها وتواجدها في الحوارات بين ربات البيوت الغير متعلمين لنقل الوعي لأطفالهم وعدم الانجرار وراء الطائفية والحقد الطائفي.
الانتقام سبب للدمار
كما أشارت ليا بازيدو الناشطة في مجال العمل الإنساني ومؤسس فريق أثرنا سوري التطوعي
إلى أن السلم الأهلي هو الأساس لأي استقرار وهو الآمان للمجتمع، وأي انفلات أو عودة لفكرة الانتقام أو الثأر لن يوجد غير الدمار، و يزيد من الشرخ بين الناس، بينما الحوار والتفاهم هما الطريق الوحيد الآمن لنبني مجتمع متماسك ومتفاهم ومتقبل للآخرين بمختلف خلفياتهم الثقافية والعرقية والدينية.
وأضافت بازيدو : دور المرأة مهم وأساسي، سواء في البيت أو خارجه، فهي التي تربي الأجيال، وعندما تربي أولادها على المحبة والتسامح، فهي تبني أساساً متيناً للسلم من الصغر، كما مشاركتها بمبادرات مجتمعية أو حملات توعية له تأثير مباشر على الناس وعلى المجتمع، وبكلمة منها تنشرها على وسائل التواصل تدعّم الحوار الوطني، حتى وعندما تعمل بمجال التربية أو الإعلام أو حتى تساهم بفضّ نزاع بين أسرتين، فهي فعلياً تحمي المجتمع من الانزلاق للعنف، وتكون صلة وصل بين الناس.