المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. محرك الاقتصاد السوري نحو التعافي والنمو المستدام

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – منال الشرع:

أكد الخبير المالي والمصرفي  الدكتور عبد الله قزاز أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد السوري، مشيراً إلى أنها تسهم بنسبة تصل إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي وتوظف 55% من القوى العاملة.
وأوضح قزاز بحديثه لصحيفة “الحرية” أن هذه المشروعات، التي تدعم 86% من الصادرات غير الحكومية، تُعد قاطرة رئيسية للابتكار والنمو، خاصة في مرحلة ما بعد رفع العقوبات، حيث تفتح آفاقاً واسعة لتوفير فرص عمل مستدامة للشباب وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

إعادة هيكلة وتصنيف لدعم النمو

ويوضح قزاز  أنه في خطوة تهدف إلى تنظيم القطاع، قامت حكومة النظام البائد في عام 2022 بتحديث معايير تصنيف المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وقد تم تقسيمها إلى أربعة قطاعات رئيسية: الصناعي، الزراعي، الخدمي، والسياحي، بالاعتماد على ثلاثة معايير أساسية هي عدد العمال، حجم المبيعات السنوية، والموجودات الثابتة.

على سبيل المثال، في القطاع الزراعي، يُعرَّف المشروع بأنه متناهي الصغر إذا كان يشغل من 1 إلى 5 عمال وبحجم مبيعات أقل من 20 مليون ليرة سورية، بينما يُصنف صغيراً إذا كان يضم من 6 إلى 20 عاملاً ومبيعاته تتراوح بين 20 و200 مليون ليرة، أما المشروع المتوسط فيشغل من 21 إلى 100 عامل وتتراوح مبيعاته بين 200 مليون و2 مليار ليرة سورية. ويكشف هذا التصنيف عن هيمنة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر التي شكلت حوالي 97% من إجمالي المشروعات في عام 2010، رغم التحديات المتمثلة في انتشار المشاريع غير المرخصة ضمن اقتصاد الظل.

آليات التمويل

وحسب قزاز تتعدد طرق تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا، حيث يقدم مصرف التوفير قروضاً تصل إلى 50 مليون ليرة سورية بفائدة 13% ولمدة سداد تتراوح بين 5 و10 سنوات، بضمانات عقارية أو كفالات، بدوره، يدعم المصرف التجاري مشاريع محددة كمعامل النسيج والألبان بفوائد مخفضة تصل إلى 11%، كما يوفر مصرف الوطنية للتمويل الأصغر قروضاً تتراوح بين 5 و18 مليون ليرة بفائدة 16%، موجهة بشكل خاص لصغار التجار والحرفيين.

ورغم هذه المبادرات، تواجه المشروعات عقبات تنظيمية وتمويلية كبيرة، أبرزها غياب استراتيجية وطنية موحدة، وشح السيولة، وارتفاع أسعار الفائدة، كما أن الإجراءات البيروقراطية المعقدة والضمانات العقارية الصارمة تحد من قدرة الكثيرين على الوصول إلى التمويل اللازم، ما يفاقم من حجم اقتصاد الظل الذي يُقدر بنحو 50% من القطاع الخاص.

توصيات لتعزيز الدور الاقتصادي

لتحويل هذه المشروعات إلى محرك نمو حقيقي، يوصي الدكتور قزاز بتبسيط إجراءات التسجيل ووضع استراتيجية وطنية متكاملة تركز على التدريب والاستشارات، وشدد على ضرورة اعتماد آليات تمويل مبتكرة تعتمد على قوة الفكرة وجدواها الاقتصادية بدلاً من الضمانات التقليدية، كما دعا إلى دعم مصارف التمويل الأصغر بالسيولة من المصرف المركزي وتطوير الخدمات الإلكترونية لتقليل مخاطر التعثر، بالإضافة إلى تفعيل دور الحاضنات المحلية وغرف التجارة في تقديم الحوافز.

فرص واعدة في مرحلة إعادة الإعمار

ويشير قزاز إلى أن سوريا تشهد حالياً طلباً متزايداً على أنشطة المشروعات الصغيرة، خاصة في قطاعات الغذاء، الزراعة، والتجارة الإلكترونية، مدفوعة باحتياجات إعادة الإعمار والوعي الاستهلاكي المتغير، وتتميز هذه الأنشطة بربحيتها السريعة ورأس مالها المنخفض، ما يجعلها خياراً مثالياً في ظل الظروف الراهنة.
ومن أبرز الأنشطة الواعدة:
-تجارة المواد الغذائية الأساسية: طلب دائم وربح مستقر بتكلفة منخفضة.
-مطاعم الوجبات السريعة: إيرادات يومية عالية وحاجة لمساحة ومعدات أساسية.
-صناعة الأثاث المنزلي: طلب كبير مدفوع بأعمال الترميم والبناء.
-تربية الدواجن والنحل: إنتاج البيض والعسل بتكلفة منخفضة وطلب محلي وتصديري مرتفع.
-التجارة الإلكترونية: بيع الحرف اليدوية والملابس عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع إمكانية التصدير.
-الطاقة الشمسية: تركيب وصيانة أنظمة الطاقة البديلة لتلبية الطلب المتزايد.

ويختتم قزاز بالقول: أكثر من عقد من غياب الاستثمارات الحقيقية، يفتح التحرر الاقتصادي واعتماد نهج السوق الحرة الباب أمام فرص واسعة، مؤكداً أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مدعومة بالاستثمارات الخارجية، ستشكل الركيزة الأساسية لبناء اقتصاد سوري قوي ومستدام، قادر على تحقيق التعافي والازدهار.

Leave a Comment
آخر الأخبار