“بالإيمان نخطوها”.. صورٌ تُوثّق ما آلت إليه حياة الثائرين

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- لبنى شاكر:
الحياة مُقابل الحرية؛ هذا ما كانت عليه الحال منذ اندلاع الشرارة الأولى لثورة السوريين، فالخروج في مظاهرة أو كتابة منشور في فيسبوك أو الاعتراض العلني على ما كان يحدث، كلها أسبابٌ مُوجبة للاعتقال والمُلاحقة، وربما الموت لاحقاً. لكن، ورغم كل شيء، لم تتوقف الثورة، ولم يكن لشيءٍ أن يُوقف أبناءها الذين استُشهد بعضهم، وعاد آخرون اليوم لِيكملوا حياتهم، أو ما بقي لهم منها بعد أربعة عشر عاماً، تشعبت فيها الخسارات بدءاً من العائلة والبيت، وصولاً إلى الدراسة والعمل، حتى لم يعد في جعبتهم سوى الإيمان دافعاً للاستمرار. وعلى التوازي، كان الإعداد لمعرضٍ فوتوغرافيٍّ يُوثّق مشوار عددٍ منهم قائماً منذ العام 2013، اكتمل مُؤخراً مع الإعلان عن افتتاحه وإتاحته للفرجة، في صالة الشعب، تحت عنوان “بالإيمان نخطوها”.
حكاية ثوّار ومعرض
كان ظهور تنظيم داعش الإرهابي، فرصةً استغلها النظام البائد لتشويه صورة الثائرين ضده، والادعاء بأنهم إرهابيون قتلة، وهنا كانت المُصوّرة والقيّمة الفنية رفيا قضماني تُتابع كما غيرها من المقيمين خارج سوريا، تفاصيل المعارك وأخبار الشهداء، وتتقصى عبر صفحاتهم في فيسبوك، صورهم وحيواتهم السابقة، وما آلت إليه مع انضمامهم للحراك. تقول قضماني للـ “الحرية”: “عندما تحولت الثورة من السلمية إلى المُسلحة بدأت أتابع صور المقاتلين التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أذهلتني تعابير وجوههم التي عكست مزيجاً من التحدي والفرح أحياناً، والإنهاك والغضب أحياناً أخرى، ثم رحت أجمع هذه الصور التي وثّقت التحولات الكبرى في تغيير مجرى حياتهم إلى طريق لم يتمنوه أو يخططوا له”.

كان الإعداد لمعرضٍ فوتوغرافيٍّ يُوثّق مشوار عددٍ من الثوّار قائماً منذ العام 2013، لكنه لم يكتمل إلّا بعد التحرير

كانت قضماني تنوي جمع الصور في كتاب، يسهل تناقله وانتشاره، وربما ترجمته، لكن واجهتها عدة إشكاليات، منها نقص التمويل اللازم، إضافة إلى هجرة بعض الشباب الثوّار إلى أوروبا، فلم يعد بالإمكان نشر صورهم وهم يقاتلون ويحملون السلاح. ومع عودتها إلى سوريا بعد التحرير، ولقائها بعض الشباب الذين كانت تتواصل معهم لسنوات عبر فيسبوك، شعرت بأن الوقت مناسبٌ لعرض الصور التي تتبع نضالهم، وهكذا ظهرت فكرة المعرض مع الناشط الاجتماعي رياض صباغ، وبالشراكة مع المصوّر عمار عبد ربه.
قبل النضال وبعده
في المعرض، وعلى مبدأ قبل وبعد، صورتان للشهيد إبراهيم العبدو، الأولى في جامعة حلب حيث كان يدرس طب الأسنان والثانية أثناء مشاركته في الثورة، وصورتان أيضاً للشاب طارق محرم، كان موظفاً في الإمارات، ترك عمله والتحق بالساعين للتغيير، كذلك تحكي صورتان عن يزن/ بلال الشامي، والانتقال من دراسة الماجستير في الاقتصاد إلى القتال، يقول الشامي مُستحضراً ذكرياته عام 2014 “تُخرجني قطرات المطر من حالة شرودي أمام المرآة في هذا الشخص الذي أصبح أنا باختياري مع كامل التصميم، فأنا كما العشرات من المحاصرين هنا، تركنا الحياة المستقرة الآمنة، تركنا عوائلنا وأحبابنا، تركنا أعمالنا وأموالنا، تركنا الطريق المرسوم في الحياة الطبيعية لأي شاب؛ دراسة، عمل، زواج، عائلة، في سبيل اختيار الانتماء، هي المرة الأولى التي نستطيع فيها اختيار انتمائنا إلى مكان وفكرة، إلى ما نؤمن به، إلى ما نريد، إلى أحلامٍ بسيطةٍ بحياةٍ حرةٍ وكريمة”.

قضماني: “كنت أجمع الصور التي وثّقت التحولات الكبرى في تغيير مجرى حياة الثائرين إلى طريقٍ لم يتمنوه أو يخططوا له”

يُضيف عن تلك الأيام: “أبحث عن صورة قديمة لي في حساب الفيسبوك الخاص بحياتي ما قبل الثورة، أقارن صورة اليوم مع تلك الصور، أشاهد صوري مع بقية أصدقائي، أتلصص على آخر أخبارهم؛ بعضهم تزوج، وآخر في مسيرة وطنية إجبارية لرفض المؤامرة في تغيير الديكتاتور، وآخر رُزق بطفله الثاني، والآخر ينشر صوره في ألمانيا، كلهم يعيشون حياة طبيعية، اختاروا الطريق المرسوم لهم، من دون أي معاناة لتغييره، أو رفضه أو التعبير عن آرائهم، واخترت الطريق المعاكس له، حيث أنتمي”.
صورة واحدة فقط
أمّا الشاب عبيدة أبا زيد، فلا يضم المعرض سوى صورة واحدة له، يقول “كنت أتمنى أن أصبح مصمم أزياء أو مهندس ديكور، وأدرس في إيطاليا، في مدينة البندقية، ولا أمتلك صوراً لي قبل الثورة، صارت كلها رماداً، بيتنا كله صار رماداً”.

على مبدأ قبل وبعد صورتان للشهيد إبراهيم العبدو الأولى في جامعة حلب حيث كان يدرس طب الأسنان والثانية أثناء مشاركته في الثورة

كذلك نجد صورة واحدة للشهيد قتيبة محمد، يُعالج فيها طفلاً مصاباً، التقطها المُصوّر فؤاد حلاق، وفي وقت لاحق أُعدم محمد على يد داعش في مجزرة مشفى العيون، أيضاً صورة واحدة للشهيد أبو علي صليبا، والذي اعتُقل قبل الثورة لعشرين عاماً، ولا يملك صوراً قديمة، التقطها المُصوّر عمار عبد ربه.

تقول قضماني عمّن دفعوا أثماناً باهظة: في وقت استسلم فيه البقية “لم يعيشوا لتكون صورهم في مكانٍ كهذا اليوم، ولم يتخلوا يوماً عن أملهم في تحرير سوريا ورحيل النظام الظالم، كان حبهم للحياة حاضراً دائماً، هكذا علينا أن نتذكر من رحل منهم، وهكذا علينا أن نُكرّم من عاش لحظه التحرير الجميلة”.
تضيف للـ “الحرية: “في المعرض امتنانٌ لمن رحلوا عنا، وشكرٌ لمن ضحّوا من أجلنا، ودعوة للتفكير فيما فعلوه وقدموه، حين تخلوا عن جامعاتهم ومهنهم وأحبائهم، وانخرطوا في الميدان، فكان منهم من حمل السلاح ومن امتهن الصحافة والتصوير، وآخرون أصبحوا أطباء وممرضين ميدانيين”.

Leave a Comment
آخر الأخبار