بانتظار الضمانات… الرساميل في طريقها لإعمار سوريا وبناء اقتصاد استثماري قوي..

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية – لمى سليمان:

يتعافى الاقتصاد المتأزم بالاستثمار الصحيح وفي حالة بلد أنهكته الحرب والفساد والعقوبات، يجب أن يبدأ طريق الاستثمار بخطوات واضحة وعلى أسس ثابتة لخلق بيئة استثمارية خالية من الألغام وجاذبة للمستثمر المحلي قبل الخارجي.

د.كوسا: عودة رؤوس الأموال المحلية للاستثمار في سوريا خطوة حاسمة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي لكنها تواجه تحديات كبيرة

يفند أهل الخبرة الخطوات الواجب اتباعها بحثاً عن استثمار متقدم، فيصف الخبير الاقتصادي د.محمد كوسا عودة رؤوس الأموال المحلية للاستثمار في سوريا بالخطوة الحاسمة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي، لكنها تواجه تحديات كبيرة، وتتطلب هذه العودة حزمة متكاملة من الإجراءات والضمانات التي تعالج المخاوف الأساسية للمستثمرين.
أول هذه الضمانات كما يرى د. كوسا في تصريحه لـ”الحرية” هي توفر المتطلبات الأساسية لعودة رؤوس الأموال المحلية لتحفيز المستثمرين المحليين على إعادة ضخ أموالهم في الاقتصاد السوري، لذلك لا بد من توفير بيئة جاذبة ومستقرة بدايتها بالاستقرار السياسي والأمني، اذ يُعتبر تثبيت الأمن في كل أنحاء البلاد الركيزة الأساسية وإرساء حل سياسي دائم يزيل حالة عدم اليقين، إلى جانب ضمان سيادة القانون ومنع أي تدخلات غير قانونية في أعمال المستثمرين.

د.كوسا: وجوب استقرار الاقتصاد الكلي والذي يبدأ باستقرار سعر الصرف

علاوة على ذلك، يتابع د.كوسا في تصريحه، وجوب استقرار الاقتصاد الكلي والذي يبدأ باستقرار سعر الصرف فمن الضروري تثبيت سعر صرف الليرة السورية، فالتقلبات الحادة تُعيق أي تخطيط طويل الأمد للمشاريع. إضافة إلى مكافحة التضخم واتخاذ خطوات حاسمة للحد من التضخم الذي يُقلل من قيمة الأرباح ويُضعف القوة الشرائية.
ومن المهم أيضاً توفير حوامل الطاقة لضمان توفر الكهرباء والوقود بشكل مستمر وموثوق به، فهما شريان الحياة لأي نشاط اقتصادي.

د.كوسا: الوصول إلى بيئة استثمارية جاذبة يكمن في إطار قانوني وتشريعي محفز يعتمد على قانون استثمار واضح

إصلاح مصرفي

ومن أهم خطوات استقرار الاقتصاد الكلي أيضاً إصلاح القطاع المصرفي والذي يتطلب إعادة هيكلة المصارف وتسهيل الإجراءات المصرفية وتوفير السيولة، وتمكين التحويلات المالية بيسر.. إضافة إلى تحسين القدرة الشرائية (تحفيز الطلب) من خلال زيادة دخل المواطنين لخلق سوق محلي قادر على استهلاك المنتجات والخدمات.

د.اكريم: الرساميل تنتظر سن القوانين الشبيهة بالقوانين العالمية الواضحة لتعود

وتالي الخطوات المهمة للوصول إلى بيئة استثمارية جاذبة، بحسب د.كوسا، تكمن في إطار قانوني وتشريعي محفز يعتمد على قانون استثمار واضح وعادل والذي يجب أن يكون جاذباً يمنح ضمانات حقيقية، ويتسم بالمرونة للتكيف مع المستجدات.
وكذلك تبسيط الإجراءات الإدارية كالقضاء على البيروقراطية والروتين الذي يُعيق إطلاق المشاريع، وتسهيل إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات، إضافة إلى حماية الملكية من خلال ضمان عدم نزع الملكية إلا للمنفعة العامة وبتعويض عادل وفوري.

د.اكريم: التاجر السوري شجاع وقادر على تحمل المخاطرة وقادم للعمل بشعور الحب لبلده أولاً

فض النزاعات

ويتابع د.كوسا: من أهم الخطوات أيضاً وجود آليات فعالة لفض النزاعات كتوفير طرق سريعة ومحايدة لحل الخلافات التجارية والاستثمارية.
إضافة إلى إنشاء بنية تحتية متطورة والتي تتطلب إعادة تأهيل وتطوير شبكات الكهرباء، المياه، الطرق، والاتصالات التي تضررت بشدة لتوفير بيئة عمل مناسبة.
وتأتي خطوة مكافحة الفساد كخطوة بالغة الأهمية، بحسب د.كوسا، الذي يعتبر أنه يجب مكافحة الفساد الذي يُعد عائقاً رئيسياً أمام الاستثمار، وبناء على ذلك يجب اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحته وضمان الشفافية والمساءلة في جميع المعاملات الحكومية.
إضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية (خاصة الغربية) عن سوريا وجهازها المصرفي، الذي سيسهم بشكل كبير في تسهيل عودة رؤوس الأموال المحلية، وتسهيل التحويلات المالية، وتسهيل استيراد المواد الأولية والتصدير، وفتح آفاق التعاون الدولي.

الضمانات

ماذا عن الضمانات المطلوبة لعودة رؤوس الأموال؟ يجيب د.كوسا أنه لإعادة بناء الثقة المفقودة لدى المستثمر المحلي، الذي عانى من خسائر سابقة، يجب تقديم ضمانات ملموسة وفعالة أهمها: ضمانات قانونية وتشريعية كحماية رأس المال والمشروع أي عدم جواز الحجز على المشروع أو فرض الحراسة عليه إلا بقرار قضائي قطعي، وعدم إلغاء إجازة الاستثمار أو سحب التراخيص إلا في حال المخالفة الجسيمة وبعد منح المستثمر مهلة للإصلاح.
وثانيها ضمان عدم نزع الملكية التعسفي لتأكيد عدم نزع الملكية إلا للمنفعة العامة وبشروط تعويض عادل وفوري وفق القيمة السوقية.
وثالثها: حرية تحويل الأرباح ورأس المال لضمان حق المستثمر في تحويل أرباحه ورأس ماله بعد سداد الالتزامات الضريبية والمالية، بما في ذلك إمكانية فتح حسابات بالليرة السورية والقطع الأجنبي.
إضافة إلى ما سبق: يجب أن تكون هناك مرونة في آليات فض النزاعات وتوفير خيارات متعددة للمستثمرين لفض النزاعات، سواء عبر القضاء المحلي أو التحكيم التجاري المحلي والدولي.
ومن ضمن الإجراءات الواجب توافرها للحصول على بيئة استثمار جاذبة مجموعة ضمانات إجرائية وإدارية تكمن في استقرار السياسات الاقتصادية  لترسيخ فكرة عدم القيام بإصدار قرارات أو تعاميم حكومية مفاجئة قد تُعيق تنفيذ المشروع أو استمرارية عمله.
إضافة إلى السرعة و الجودة في إنجاز المعاملات كتبسيط حقيقي وفعال للإجراءات الإدارية المتعلقة بالاستثمار.

محفزات

ومن المهم توفير هيئة استثمار قوية وفعالة والعمل على إعادة هيكلة هيئة الاستثمار الحالية ومنحها المرونة أي أن تكون مستقلة وذات صلاحيات واسعة وتكون مسؤولة بشكل حصري عن جميع شؤون الاستثمار، وتقدم الدعم والمعلومات، وتُساهم في حل المشكلات.
وضرورة إعطاء حوافز استثمارية مجدية وتشمل: إعفاءات وتخفيضات ضريبية، تقديم إعفاءات ضريبية كبيرة على الأرباح الصافية لفترات زمنية معينة (مثل 50% لمدة 10 سنوات).
وتسهيلات في رسوم الاستيراد والتصدير: إمكانية إعفاء المشروعات من رسوم استيراد الآلات والمعدات والمواد الأولية التي لا تتوفر محلياً، وكذلك توفير دعم مالي وقروض بشروط ميسرة من البنوك الحكومية والخاصة لدعم المشاريع.

استعادة الثقة

ومن الضروري أيضاً كما يراه د.كوسا استعادة الثقة، إذ تُعد استعادة الثقة التحدي الأكبر. يجب أن تُبرهن الحكومة عن إرادة سياسية حقيقية للالتزام بتطبيق القوانين، وتقديم الضمانات، وإثبات ذلك على أرض الواقع من خلال مشاريع ناجحة، وحماية فعلية للاستثمارات.
إضافة إلى التواصل الفعال مع أصحاب رؤوس الأموال السورية في الخارج والداخل، وفهم مخاوفهم ومتطلباتهم بشكل مباشر.
ويختم د.كوسا قائلاً: إن عودة رؤوس الأموال المحلية ليست مجرد عملية اقتصادية، بل هي عملية بناء ثقة تتطلب بيئة شاملة من الاستقرار، الإصلاحات، والضمانات الحقيقية والملموسة.

تربة صحيحة

ومن ناحية أخرى يرى الخبير الاقتصادي د.ياسر اكريم أن عودة رؤوس الاموال إلى سوريا سواء أكانت محلية أو أجنبية تتطلب تربة استثمارية صحيحة والتي تستلزم شروطاً محددة أولها: الأمان المالي ويقصد به الأمان بالقوانين وبعدم الاضطراب الاقتصادي أو أية أمور أخرى غير محسوبة. وباعتبار أن الأمور الأمنية مستتبة وليس هناك أية عوائق أمنية لأي شخص كالخطف أو السرقة أو سواها، يتبقى الآن الأمان الاقتصادي والمعني به القوانين، والتي لا تزال غير واضحة والسبب قد يعود إلى قصر المدة الزمنية ما بين سقوط النظام السابق وقيام نظام جديد. وقد يعزا السبب أيضاً إلى ضعف في الإدارة القانونية والإدارة الاقتصادية، الآن وكما يبين د.اكريم, الرساميل تنتظر سن القوانين لتعود، القوانين الشبيهة بالقوانين العالمية الواضحة. فالمستثمر القادم من أوروبا أو الصين أو أي بلد أجنبي هو بحاجة قوانين عالمية لا سورية. لذلك يجب أن يكون هناك هيئة تحكيم اقتصادية عالمية فيها اقتصاديون ومحكمون من عدة دول كمحكم أمريكي أو صيني أو من الدول العربية، بغرض اللجوء إليها في حال حصول أي خلاف بين أي مستثمر مع شريك مثلاً، وجود هذه الهيئة يعطي الأمان الاقتصادي للمستثمرين.

ورقة واحدة

ثانياً: يجب أن تكون هذه القوانين سهلة للاستثمار وموضوعة بورقة واحدة.. فأين القوانين الواضحة لدينا فيما يتعلق بموضوع الضرائب أو الجمارك أو إنشاء الشركات؟ لذلك يجب الإسراع بسن هذه القوانين لجذب الاستثمارات الخارجية.

البحث عن الربح

ثالثاً: من المفترض البحث عن مشاريع رابحة للبدء بها، فعلى سبيل المثال للخوض في الاستثمار في القطاع الكهربائي تكلفة “الغيغا واط” قد تكون كبيرة، فيجب أن تكون مناسبة لنسبة الربح التي لا ينبغي أن تقل عن نسبة ٢٠ أو ٢٥ بالمئة على الأقل وبهكذا نسبة تأتي الاستثمارات بسرعة.
وكما يبين د.اكريم بدأ بعض المستثمرين بالفعل العودة للاستثمار في سوريا فقد أرسلت “تسلا” بعض المندوبين إلى سوريا، كما عادت بعض الشركات الأخرى. فالتاجر السوري شجاع وقادر على تحمل المخاطرة وقادم للعمل بشعور الحب لبلده أولاً، فهو سيبدأ بفتح شركة سيارات أجرة على سبيل المثال وهو لا يعرف أي جديد عن الضرائب. لكن هذه البداية بالاستثمار لا تعني أن الأمور أصبحت صحيحة بل يجب أن تكون الأمور أكثر وضوحاً وخاصة فيما يتعلق بالضرائب والجمارك ويجب أن تكون المشاريع رابحة.
المستثمرون العرب، برأي اكريم يفضلون الاستثمار في سوريا وهم ينتظرون وضوح بعض الأمور وكذلك فإن مصلحة المستثمر الأجنبي أن يبدأ عمله بسوق يمكن تسميتها بالسوق الـ”بِكر” وكل المشاريع ممكنة فيها. وستبدأ الاستثمارات محلية أولاً ثم يستقدمون أقاربهم ومن ثم الاستثمارات الخارجية تأتي تباعاً.

Leave a Comment
آخر الأخبار