برغم الدمار.. مهجّرون يعودون إلى ريف إدلب برفقة منشآتهم الصناعية

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- علاء الدين اسماعيل:

لم يكن ريف محافظة إدلب ريفاً عادياً فحسب، بل كان ريفاً صناعياً واقتصادياً، وكان جزء من سكان الريف يعتمدون في معيشتهم قبل قيام الثورة السورية على الصناعات المتوسطة والمشاريع الصغيرة المتنوعة، التي تراجع حضورها مع ظروف الحرب، حتى كاد ينعدم في بعض المراحل.
ويمكن تلخيص أسباب هذا التراجع في القصف والدمار الذي طال معظم القرى والبلدات، وهجرة كثير من أصحاب رؤوس الأموال والخبرات والحرفيين، ناهيك بصعوبة التنقل وقطع الطرقات وانقطاع التيار الكهربائي، وغلاء المواد الأولية وفقدانها، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، إلى جانب ضعف القوة الشرائية.

ومن أبرز بلدات ريف إدلب من حيث التجارة والصناعة، بلدة معرشورين، شرقي معرة النعمان، ورغم مساحتها الصغيرة إلّا أنّها تعد سوقاً تجارية كبيرة، يقصدها التجار من مختلف المحافظات السورية، فهي مشهورة صناعياً، ينتج أهلها العديد من الصناعات، وأهمها صناعة الحصر البلاستيكية.

نزحت صناعة الحصر مع أصحابها من ريف إدلب الجنوبي إلى مدن وبلدات ريف إدلب الشمالي، وريف حلب الشمالي، قرب الحدود التركية، تكسّرت الآلات خلال النقل وتعرضت أخرى للتلف والصدأ، غادر الصناعيون ورشاتهم إلى تركيا أو تفرقوا في المناطق.. غابت المقومات الأساسية، وأهمها الكهرباء وأسواق التصريف، جميع ذلك تسبب في تراجع هذه الصناعة التي اشتهرت بها إدلب عن غيرها من المحافظات، وتصدرت إنتاجها لسنوات كثيرة ماضية.

وبيّن لؤي الحافظ صاحب منشأة، أن بلدة معرشورين بريف معرة النعمان الشرقي مشهورة بالمنشآت الصناعية، تهجر أهلها منذ 6 سنوات، بعد احتلالها من قبل قوات النظام البائد، مضيفاً: وأكرمنا الله بالعودة لها بعد التحرير، وقمنا بإعادة تشغيل المنشأة الصناعية الأولى في المنطقة، وباشرنا بالعمل بها رغم الدمار الكبير، والقرية حالياً لا توجد بها خدمات، بسبب دمارها بالكامل، الأسقف مسروقة و«معفشة» بعد تكسيرها، ومعظم الأماكن المخصصة للمنشآت الصناعية تعرضت للقصف، والتي لم يطلها القصف طالتها يد عصابات «التعفيش»، حيث بدأنا بالترميم بشكل مستعجل، عبر تركيب سقف مستعار يتكون من ألواح حديدية، وحتى تنطلق العجلة الاقتصادية أحضرنا معنا مولدات كهربائية ضخمة لبدء العمل بمنشأتنا، التي تحتوي على ثماني مكنات لنسيج الحصر البلاستيكية وتوابعها، وثلاث مكنات للحقن.

وأضاف لصحيفة الحرية: يعمل لدينا حالياً في المنشأة 15 عاملاً، وثلاثة إداريين بنظام وردية واحدة، بمعدل 12 ساعة يومياً، ويعود ذلك لعدم وجود الكهرباء، حيث طالبنا مديرية الكهرباء بمحافظة إدلب بتوصيل الكهرباء من مدينة معرة النعمان التي تبعد عن بلدة معرشورين مسافة 3 كم، وفي حال توافر الكهرباء سنقوم بزيادة عدد الورديات في المنشأة إلى ثلاث، وبالتالي زيادة عدد العمال إلى 70 عاملاً.

وأشار إلى أن تطوير هذه الصناعة يمكن أن يحقق فرصة عمل لمئات الأشخاص في المنطقة، إذا دعمت من قبل الحكومة بإيصال الكهرباء إليها أو دعم الوقود، والسماح لهم بتصدير منتجاتهم إلى أسواق خارجية عبر تركيا، وخاصةً أن منتجاتهم معروفة كما يقول في بلدان كثيرة اعتادت استيرادها لسنوات طويلة مضت.
وأوضح أنّ المنطقة لا توجد فيها خدمات، من كهرباء، أو صرف صحي، أو نقاط طبية، أو مدارس، وكان الهدف من الاستعجال لتشغيل منشأته، هو تشجيع المهجّرين للعودة إلى القرية، مؤكداً عودة 85 عائلة إلى بلدة معرشورين بعد تشغيل منشأته الصناعية، لأن البلاد تعمر بأهلها حسب وصفه.

وأردف: إن المنشأة مختصة بالصناعات البلاستيكية، كالحصر، ومجال الحقن، الذي يختلف حسب طلب السوق، من خلال تفصيل القوالب، ويتوفر لدينا حالياً الكراسي بأنواعها، و«الطربيزات»، والطاولات، والمسّاحات المنزلية، والسحابات المنزلية(الدروج)، والأصناف قابلة للتعدد حسب الطلب.

ويختم الحافظ بالقول:مادامت الحياة مستمرة فنحن مستمرون في عملنا الذي نتباهى به، والاسم التجاري الذي كان نتاج سنوات من الجد والتعب، متحدين الظروف الصعبة وقسوة العيش بإرادة جبارة.

مع سقوط نظام الأسد البائد، يقف الاقتصاد السوري أمام منعطف تاريخي يعج بالتحديات والفرص، ذلك بعد أن تركت سنوات الصراع العنيف إرثاً ثقيلاً من الدمار في البنية التحتية، والانهيار في القطاعات الإنتاجية، علاوةً على الانخفاض الحاد في مستوى المعيشة، ما يفرض على سوريا مواجهة مهمة معقدة لإعادة الإعمار واستعادة التوازن الاقتصادي.

Leave a Comment
آخر الأخبار