الحرية – دينا الحمد:
لعل السؤال الأهم بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة هو: هل ستتوقف «إسرائيل» عن انتهاك حقوق الفلسطينيين؟
في الواقع تؤكد حقائق التاريخ على أرض الواقع أن «إسرائيل» لم تلتزم يوماً من الأيام بأي مواثيق أو عهود ووعود، وأنها كانت على مدى عقود من الاحتلال تعود للعدوان والإرهاب حتى ولو وقعت على اتفاقيات هدنة أو سلام.
ومن المفارقات الصارخة في عالم ما بعد الحرب الباردة والأحادية القطبية، وغياب دور الأمم المتحدة في أزمات العالم، أن جميع عواصم الغرب والشرق ومعها المنظمة الأممية وكل مؤسساتها مازالت منذ عقود تتفرج على انتهاكات «إسرائيل» في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ولم تقدم سوى بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، وفي أحسن الأحوال تقديم المساعدات للمنكوبين، فلم نرَ قراراً دولياً واحداً تحت الفصل السابع يلوح للاحتلال بالويل والثبور ولم نشاهد تدخلا دولياً لمنع المجازر المروعة.
ولعل المفارقة الأكثر من ساخرة هنا أن المؤسسات الدولية تقوم بإصدار التقارير الشهرية والسنوية التي توثق انتهاكات «إسرائيل» لحقوق الإنسان لكنها تبقى عاجزة عن فعل أي شيء، وتذهب تلك التقارير إلى أدراج النسيان.
وكي لا يكون هذا الرأي توصيفياً وخالياً من الأدلة والبراهين ها هم محققو الأمم المتحدة يتهمون «إسرائيل» مراراً وتكراراً بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة، مؤكدين أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إضافة إلى بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت حرضوا على ارتكاب إبادة جماعية، ولم تفلح أي جهة في اتخاذ إجراءات ضدهم أو معاقبتهم، وبقي العالم صامتاً ومتفرجاً على ما يجري.
وليس هذا فحسب بل نشرت بالتوقيت ذاته لجنة أممية أخرى مكلفة بالتحقيق في وضع الحقوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقريراً بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الحرب على غزة بينت فيه أن «إسرائيل» قتلت أكثر من 65 ألف شخص في غزة منذ بدء الحرب، وفقاً لأرقام وزارة الصحة في القطاع، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة، ومع هذا أيضاً ظل العالم ومنظماته الدولية يتفرجون على ما يجري دون أي فعل حقيقي على الأرض.
ما يثير الاستغراب أن اللجنة ذاتها خلصت إلى أن السلطات والقوات الإسرائيلية ارتكبت منذ أكتوبر الأول 2023 أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة المدرجة في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 ومع ذلك لم تتحرك الأمم المتحدة وكأن مؤسساتها ولجانها في وادٍ وهي في وادٍ آخر.
والدليل على ما ذكرناه أن أفعال الإبادة الجماعية الخمسة المدرجة في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تشمل قتل أعضاء الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأعضاء الجماعة، وفرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة تهدف إلى تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة، ومع ذلك لم يحاكم مسؤول إسرائيلي واحد أمام المحاكم الدولية، والسؤال الأول والأخير هنا: إن عادت «إسرائيل» إلى انتهاك حقوق الأبرياء في غزة بعد اتفاق وقف النار، هل سيبقى العالم صامتاً ومتفرجاً كما عهدناه؟.