تدمير ممنهج ترافقه أرقام صادمة في القطاع الزراعي.. والبناء على استراتيجيات مرنة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- محمد زكريا:
لا يمكن وصف الحال الذي وصل إليه القطاع الزراعي خلال السنوات الماضية من تراجع مخيف في الإنتاج، وعدم الاستثمار الكامل للمساحات القابلة للزراعة بالشكل الأمثل، ولا يمكن لعاقل أن يبرر ذلك الحال بأنه نتيجة أزمة مؤقتة، بل هو نتيجة سياسة ممنهجة، أراد منها النظام البائد تجويع الشعب السوري، وتدمير حياته المعيشية على مدار السنوات الماضية. في حين أن سوريا بلد عرف بتنوعه الزراعي، وخصوبة أراضيه، ووصل في فترة من الزمن إلى حالة الاكتفاء الذاتي، وذلك في كثير من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وبالتالي أصبحت سوريا منتعشة زراعياً، بدليل الحالة التصديرية لبعض المنتجات والمحاصيل الزراعية، التي وصلت إلى العديد من الدول العربية وحتى لبعض الدول الأوروبية، لكن تعرّض هذا القطاع الحيوي للتدمير الممنهج أثّر بشكل كبير على مخرجات العملية الزراعية.

أرقام صادمة

في لغة الأرقام والتحليلات الإحصائية لواقع القطاع الزراعي، يعي المتتبع للشأن الزراعي، التعمد من النظام البائد في تطبيق سياسات زراعية لا تسمن ولا تغني من جوع، وأنه إذا نظرنا إلى لغة الأرقام، نراها صادمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، منها المساحة القابلة للزراعة في العام الفائت والتي بلغت 6 ملايين هكتار، موزعة ما بين مروية وبعلية. لكن المفاجأة أن 9.5 % منها غير مستثمرة، وذلك بسبب الإهمال وانهيار البنية التحتية.
وأيضاً نرى انخفاض الإنتاج الكلي، والذي تراجع من 15 مليون طن، إلى 9.8 ملايين طن ما بين الفترة الممتدة من عام 2000 وحتى عام 2021. كما تراجعت المساحات المزروعة خلال الفترة المذكورة من 4.7 ملايين هكتار إلى 3.9 ملايين هكتار، كما ظهرت حالة انهيار الاكتفاء الذاتي، حيث كانت سوريا مكتفية من القمح، وأصبحت اليوم تستورده لتلبية احتياجاتها. الأمر ذاته ينطبق على محاصيل الشعير والعدس والحمص والذرة الصفراء. بالتأكيد كلها مؤشرات تؤكد حقيقة التدمير الممنهج لهذا القطاع.

قرارات كارثية

كما أن للأسباب التشريعية دوراً كبيراً في تدمير هذا القطاع، حيث لم يكن هذا الانهيار مصادفة، بل كان نتيجة قرارات كارثية، من حملات التهجير القسرية للمزارعين، وفرض أتاوات على نقل المنتجات الزراعية، وصولاً إلى استيلاء الدولة على أراضٍ لشركات زراعية، وذلك بعد صدور القانون 40 لعام 2023 الذي يلزم الشركات المساهمة الزراعية برفع قيمة رأسمالها من 100 مليون إلى 50 مليار ليرة سورية، الأمر الذي أدى إلى خروج أغلبية تلك الشركات.
وبحسب التقرير الصادر عن منظمة الفاو، فإن تكلفة الانهيار لهذا القطاع قدرت لجهة قيمة فوات المواسم الزراعية من 2011 إلى 2016 حوالي 12.8 مليار دولار، في حين قدرت الوزارة قيمة فوات المواسم الممتدة من 2017 و حتى عام 2021 بـ 38.4 مليار دولار، ليبلغ الإجمالي 51.2 مليار دولار.
كما رصدت الفاو في تقريرها حالة تراجع الصادرات الزراعية، من 3 ملايين طن إلى 350 ألف طن فقط، في حين وصلت خسائر تدمير البنية التحتية والأصول الإنتاجية إلى حدود 10.5 مليار دولار، موزعة على القطاعين العام والخاص.

استراتيجيات يبنى عليها

الباحثة الزراعية الدكتورة انتصار الجباوي أكدت أنه رغم كل هذه الخسائر، لا يزال هناك أمل في إحياء مشاريع زراعية جديدة تنطلق من وضع استراتيجيات تبنى عليها عودة النشاط الزراعي إلى سابق عهده.
وبينت الجباوي لصحيفة “الحرية” أنه يمكن اعتماد استراتيجيات تتعلق بتعزيز البنية التحتية الزراعية، من خلال إعادة تأهيل شبكات الري والصرف وتوسيعها، وإصلاح وتأهيل الطرق الريفية لتسهيل نقل المنتجات، ودعم محطات تخزين وتبريد المحاصيل للحد من الفاقد، كما أنه يمكن تحديث التقنيات الزراعية من خلال تطبيق الزراعة الذكية (الاستشعار عن بعد، نظم المعلومات الجغرافية، والري الآلي)، ونشر تقنيات الزراعة المحمية والزراعة العمودية لزيادة الإنتاجية، ودعم المكننة الزراعية لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، ومن ضمن الاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها تطوير البحث العلمي والإرشاد الزراعي، من خلال تعزيز دور الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في استنباط أصناف مقاومة للجفاف والأمراض، وضرورة إعادة هيكلة الإرشاد الزراعي وتكثيف التدريب الميداني للفلاحين، مع دعم التمويل الزراعي، بحيث تكون هناك قروض ميسّرة للفلاحين لشراء مستلزمات الإنتاج، والعمل على تشجيع التأمين الزراعي بغية تقليل المخاطر، وتحفيز الشراكة مع القطاع الخاص والاستثمار في التصنيع الزراعي.
ونوهت الجباوي بضرورة إصلاح السياسات والتشريعات، من خلال تحديث القوانين لتسهيل تسجيل الشركات الزراعية الناشئة، مع منح إعفاءات ضريبية وحوافز للمستثمرين في القطاع الزراعي، إضافة إلى تعزيز التصدير وفتح الأسواق، وتحسين جودة المنتجات الزراعية وفقاً للمعايير الدولية، ودعم إنشاء مراكز تعبئة وتغليف حديثة.

Leave a Comment
آخر الأخبار
فهد السينما السورية يترجل.. الفنان أديب قدورة يغادرنا إلى السماء الرئيس الشرع: قرار الرئيس ترامب رفع العقوبات تاريخي أزال به معاناة الشعب وأرسى أسس استقرار المنطقة خطاب السيد الرئيس أحمد الشرع للشعب السوري بعد رفع العقوبات عن سوريا نائب رئيس غرفة تجارة حلب لـ "الحرية": رفع العقوبات سيساهم في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية وتخفي... اتحاد نقابات العمال: رفع العقوبات خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح وطي أكثر الصفحات ظلماً تجاه شعب بأك... خلال جولته على عدد من المنشآت الحيوية في درعا.. وزير الطاقة: رفع مستوى الأداء بما ينعكس إيجاباً على ... بي بي سي نقلاً عن ترامب "الشرع رجل جذاب وقوي" واللقاء كان رائعاً إطلاق بطولة لعبة الشطرنج على مستوى المحافظة في الصالة الرياضية  بطرطوس «‏The New Arab‏» بعد لقائه الرئيس الشرع.. ترامب أول رئيس أمريكي يلتقي رئيساً سورياً منذ 25 ‏عاماً وزارة الخارجية والمغتربين تنشر بياناً بشأن اللقاء بين السيد الرئيس أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونال...