الحرية– مركزان الخليل:
بعد أن وصل قطاع الطاقة في سوريا إلى مستويات متقدمة من الكفاءة والقدرة على الإنتاج وتحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية المرسومة له، والانتقال من الحاجة إلى تصدير الفائض، أصبح قطاعاً متهالكاً ينقصه كل شيء، وخاصة خلال السنوات الماضية بسبب السياسات الخاطئة، والتصرف بالموارد بطرق ملتوية، إلى جانب ما فعلته سنوات الحرب من تدمير لكل مكوناته، والعقوبات الاقتصادية التي أنهكت قواه، ناهيك بجملة معوقات أوصلته إلى أرضية متدهورة تحتاج مليارات الدولارات للعودة إلى سنوات الكفاية.
أسعد: استثمار العلاقات الدولية خيار مهم لتطوير البنية الكهربايئة وتحسين إنتاجية الموارد
الدكتور محمود أسعد “الجامعة العربية الخاصة للعلوم والتكنولوجية” أكد لصحيفة (الحرية) أن أزمة الطاقة في سورية تُعد واحدة من أكثر التحديات تعقيداً، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالوضع الاقتصادي والسياسي والأمني، وما يتبع من تأثيرات سلبية كبيرة.
تحديات مختلفة
الأمر الذي فرض واقعاً جديداً صعباً، تجلى في عدة نقاط أساسية في مقدمتها: تدمير البنية التحتية التي تعرضت لها محطات توليد الكهرباء، وخطوط النقل والتوزيع لأضرار جسيمة خلال الحرب، مما أدى إلى انخفاض القدرة الإنتاجية للكهرباء إلى أقل من 50% من طاقتها قبل الأزمة، إضافة لنقص الوقود حيث تعتمد سوريا بشكل كبير على النفط والغاز لتوليد الكهرباء، ولكن إنتاج النفط انخفض أيضاً بشكل كبير، بسبب تدمير المنشآت النفطية والعقوبات الدولية، وفقدان السيطرة على حقول شرق الفرات، إلى جانب مهم أيضاً يكمن في العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والتي حدت من قدرتها على استيراد الوقود والمعدات اللازمة لإصلاح البنية التحتية للطاقة، كل ذلك قابله ارتفاع الطلب على الاستهلاك، وسيزداد أكثر مع بدء إعادة الإعمار، مما يفاقم الأزمة في ظل النقص الشديد في الإنتاجية المحلية.
حلول مقترحة
هذا الواقع لا نستطيع الهروب منه أو التغاضي عنه، لأن كل عمليات البناء والنهوض الاقتصادي، وإعادة الإعمار مرتبطة به، فهو بحاجة لمعالجة فورية، ضمن إستراتيجية وطنية تحكمها حلول منطقية تبدأ أولى خطواتها بإصلاح البنية التحتية، من إعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء وخطوط النقل عبر الاستثمارات المحلية والدولية، إلى جانب التحول نحو الطاقة المتجددة، و الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة أن سوريا تتمتع بإمكانيات جيدة في هذا المجال بحكم موقعها الجغرافي ومناخها البيئي، والجانب الأكثر أهمية يكمن في ضرورة تحسين كفاءة الطاقة، وترشيد الاستهلاك عبر تحديث الشبكات وتقليل الفاقد في نقل الكهرباء.
تشجيع الاستثمارات الخارجية تترجمها بيئة آمنة للاستقطاب ومحفزات اقتصادية جاذبة
تحديات
لكن السؤال هنا هل لدينا الإمكانات في ظل هذه الظروف الصعبة، وحجم الدمار في المنظومة الكهربايئة ومكونات الطاقة، لإعادة بناء هذا المكون بالصورة المطلوبة..؟ الجواب في رأي ” أسعد” يحمل الكثير من المعطيات المهمة، الواجب لحظها في الاعتبار، والتي تكمن في مجموعة تحديات مرحلية، تستوجب معالجتها، والبحث من خلالها عن البدائل لتأمين سوق الطاقة، من هذه التحديات على سبيل المثال نقص التمويل، وبالتالي إعادة إعمار قطاع الطاقة يتطلب استثمارات ضخمة، وهي غير متوافرة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، إلى جانب العقوبات الدولية والتي تحد من القدرة على استيراد المعدات والتقنيات الحديثة، والجانب الأكثر أهمية يكمن في مكون الأمن والاستقرار الذي يؤخر عملية إعادة الإعمار لأن الأخيرة بحاجة بيئة آمنة مستقرة جاذبة لرؤوس الأموال والاستثمارات الضخمة.
البدائل والحلول
كما يرى الخبير الاقتصادي أن هناك ثمة حلول وإجراءات بديلة يمكن الأخذ بها والاستفادة منها وترجمتها على أرض الواقع خلال فترات زمنية متقاربة، ولا تحمل بعداً يزيد من التكاليف وخسارات النقص في مقدمتها: الطاقة المتجددة، وتركيب محطات طاقة شمسية وطاقة رياح، خاصة في المناطق النائية، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع والعمل على تحسين كفاءة الطاقة، من خلال تحديث الشبكات الكهربائية لتقليل الفاقد، وتشجيع استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة.
وأضاف أسعد أنه لدينا أيضاً حلولاً أخرى تتجلى في الاعتماد على التنويع في مصادر الطاقة، والاستفادة من الطاقة الكهرومائية أسوة بالدول صاحبة التجربة والخبرة بهذا المجال، وتفعيل مشروع استيراد الغاز المسال (LNG) عن طريق البحر بعد تجهيز محطات التغويز (تحويل الغاز المسال من سائل إلى غاز) إلى جانب استكشاف إمكانيات استخدام الهيدروجين الأخضر في المستقبل.
وهناك جانب آخر مهم يمكن الاستفادة منه يتعلق بالتعاون الإقليمي، واستيراد الطاقة من الدول المجاورة كحل مؤقت، وإنشاء مشاريع مشتركة مع الدول الصديقة والداعمة لسوريا الجديدة.
استثمار العلاقات
أيضاً استثمار العلاقات مع الدول الصديقة لإعادة تأهيل محطات الوقود أحد الحلول المقترحة والتي يرى فيها “أسعد” خطوة إيجابية، لكن السؤال في كيفية استثمار هذه العلاقات، والتي يمكن أن تبدأ باستثمار التحالفات الإقليمية، على سبيل المثال “تركيا” يمكن لسورية الاعتماد على هذه الدول لتأمين الوقود والمعدات اللازمة لإعادة تأهيل المحطات، خاصة في ظل العلاقات السياسية القوية.
والعراق أيضاً في حال تحسن العلاقات، يمكن التعاون مع العراق لاستيراد النفط والغاز بأسعار مخفضة.
وهناك الدول الصديقة كالصين يمكن جذب استثمارات أجنبية في قطاع الطاقة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، ودول الخليج بعد تحسن العلاقات، يمكن لدول مثل قطر أو السعودية تقديم دعم مالي أو فني، وهناك الاستفادة من المنظمات الدولية وهي جانب مهم يمكن الاعتماد عليها من خلال الحصول على دعم لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة أو إصلاح البنية التحتية، وتأمين المستلزمات الأولية، وتعاون تقني مع الدول الصديقة لتحديث المحطات، وتدريب الكوادر المحلية على إدارة وتشغيل المحطات.
والحصول على قروض ميسرة أو منح من الدول الصديقة، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الطاقة، وتوقيع عقود طويلة الأجل مع الدول المصدرة للوقود، وتجنب الاعتماد على دولة واحدة في عمليات الاستيراد أي ضرورة التنويع في المصادر .
في النهاية
أزمة الطاقة في سورية تحتاج إلى حلول متكاملة، تعتمد على إعادة الإعمار، التحول نحو الطاقة المتجددة، وتحسين الكفاءة. كما أن استثمار العلاقات مع الدول الصديقة والإقليمية يمكن أن يكون مفتاحاً لتأمين الموارد اللازمة لإعادة تأهيل قطاع الطاقة، ومع ذلك فإن نجاح هذه الحلول يعتمد بشكل كبير على تحسن الوضع الأمني والسياسي ورفع العقوبات الدولية.