الحرية- رشا عيسى:
وضعت وزارة المالية القانون المالي الأساسي للدولة تحت المراجعة والتحديث، كإعلان حكومي لتغيير نوعي في إدارة الصرف والواردات والتحرر من القيود المركزية، بينما تحتاج هذه الخطوة التحديثية أجواء من الشفافية لتصويب مسار الإصلاح المالي والانتقال نحو إصلاح هيكلي شامل لمواكبة التغيرات الاقتصادية العالمية، وسط تحديات مختلفة تتصدرها البنية التحتية الرقمية، وجملة الأزمات السياسية والاجتماعية.
كويفي: الخروج من النهج المركزي في إدارة المالية العامة قد يتيح مرونة أكبر للجهات الحكومية والمؤسسات في اتخاذ القرارات المالية
إصلاح النظام المالي
وفي حديث لـ(الحرية)، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي المهندس باسل كويفي أن قرار وزارة المالية بتشكيل لجنة لمراجعة وتحديث القانون المالي الأساسي للدولة يمثل خطوة مهمة نحو إصلاح النظام المالي في سوريا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد، حيث الهدف المعلن للقرار هو تحقيق “تغيير نوعي” في إدارة الصرف والإيرادات، والتحرر من القيود المركزية، وتعزيز الدفع الرقمي، وتطوير دور المراقب المالي.
قراءة معمقة
وفي قراءة لفحوى القرار ومضمونه وجد كويفي أنه يتضمن عدة نقاط شرحها كما يلي:
1. التحرر من القيود المركزية بمعنى أن الخروج من النهج المركزي في إدارة المالية العامة قد يتيح مرونة أكبر للجهات الحكومية والمؤسسات في اتخاذ القرارات المالية، ما يعزز الكفاءة ويقلل البيروقراطية، خاصة إذا تم تصميم الإصلاحات لتفويض صلاحيات مالية مع ضمان الرقابة.
2. تبني الدفع الرقمي خطوة حديثة تتماشى مع التطورات العالمية، وإذا تم تنفيذها بشكل فعال، يمكن أن تساهم في تقليل الفساد، وزيادة الشفافية، وتسهيل تتبع المعاملات المالية، كما أنها قد تدعم الشمول المالي، خاصة إذا تم توفير بنية تحتية تقنية موثوقة.
3. تطوير مهام المراقب المالي، وتطوير مسؤولياته يعكس رغبة في تحسين الرقابة المالية، ما يساعد في الحد من الهدر والتجاوزات المالية، ويضمن استخدام الموارد العامة بكفاءة أكبر، خاصة إذا تم دعم المراقبين بتدريب وأدوات تكنولوجية.
4. التغيير النوعي لأن الهدف من تحديث القانون المالي الأساسي يعكس طموحاً لإصلاح هيكلي شامل، ما يعد أمراً ضرورياً لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وإذا نجحت اللجنة في تقديم مقترحات عملية وحديثة، فقد يساهم ذلك في تعزيز الثقة بالنظام المالي وزيادة الاستثمارات في مرحلة إعادة الإعمار.
ولكن رغم إيجابيات هذا القرار، إلا أننا نلمس تحديات من الواجب النظر إليها كما يحدد كويفي وأولها، التنفيذ في ظل الأزمات حيث تعاني سوريا من تحديات اقتصادية وأمنية واجتماعية كبيرة، تشمل العقوبات، قيمة العملة والصرف، ونقص الموارد. هذه العوامل قد تعيق تنفيذ الإصلاحات المالية، خاصة إذا تطلب الأمر استثمارات كبيرة في البنية التحتية الرقمية أو التدريب.
وثانيها، البنية التحتية الرقمية لجهة أن الدفع الرقمي يتطلب بنية تحتية تقنية قوية (إنترنت موثوق، أنظمة دفع آمنة، وانتشار واسع للحسابات البنكية). في ظل الوضع الحالي، قد يكون من الصعب ضمان هذه البنية، خاصة في المناطق الريفية أو المتضررة من الحرب.
وثالثها، الشفافية والمساءلة لأن نجاح الإصلاحات يعتمد على ضمان الشفافية في عمل اللجنة وتنفيذ توصياتها، ورابعها، تحديد الجدول الزمني لمدة العمل، ووفقاً للمعلومات المتوفرة، من المتوقع أن تقدم اللجنة نتائجها بحلول 15 تموز 2025، وهذا الإطار الزمني قصير نسبياً لمراجعة قانون مالي أساسي معقد قد يتطلب الأمر وقتاً أطول لضمان دراسة شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية من وجهة نظر كويفي الذي أكد إيجابية إشراك القطاع الخاص، لكن يجب أن تكون هذه المشاركة متوازنة لتجنب تفضيل مصالح فئات معينة على حساب العدالة الاقتصادية – الاجتماعية وهذه كانت نقطة خامسة ركز عليها ليعرج على التحديات السياسية ويصف الوضع السياسي في سوريا بالمعقد، وقد يؤثر على قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات طموحة، في وقت يعد فيه الاستقرار السياسي ودعم المجتمع الدولي ضروريان لضمان نجاح هذه المبادرة.
التخلص من إرث الخسائر
وبالتالي لا بد من تصويب مسار الإصلاح المالي برؤية تشمل البرامج الحكومية للقطاع العام ومؤسساته_كما يشرح كويفي_، للتخلص من إرث الخسائر التي تلحق بالخزينة العامة نتيجة استمراره، والعمل على دمج البنوك العامة وإعادة هيكلتها لتخفيف البيروقراطية والفساد عبر الاستفادة من التحول الرقمي بما يخفف عن المواطنين والمجتمع تبعات ذلك.
والتركيز على الشمولية ويجب أن تشمل اللجنة خبراء اقتصاديين مستقلين وممثلين عن مختلف القطاعات، بما في ذلك المجتمع المدني، لضمان أن التعديلات تعكس احتياجات المجتمع السوري بأكمله.
وتعزيز البنية التحتية ووضع خطة واضحة لتطوير البنية التحتية الرقمية لدعم الدفع الإلكتروني، مع التركيز على المناطق النائية والمحرومة، والشفافية في العملية مع نشر تقارير دورية عن تقدم عمل اللجنة، مع إشراك المجتمع في مناقشة التعديلات المقترحة لتعزيز الثقة.
التعاون الدولي
ولفت كويفي إلى ضرورة التعاون الدولي والاستفادة من خبرات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، ما يساعد في صياغة قانون مالي حديث ومتوافق مع المعايير العالمية، كما أُشير في لقاءات سابقة لوزير المالية.
وختم كويفي بالتأكيد على أن تكون الأهداف واقعية ومرتبطة بالموارد، مع تطوير القوانين المالية وما يتعلق بها في المنظومة القضائية.
وينتج عن ذلك إيجابيات تتجلى بأن القرار خطوة واعدة نحو تحديث النظام المالي والحد من الفساد، مع التركيز على الدفع الرقمي والشفافية، بينما تتجلى التحديات في أن التنفيذ في ظل الأزمات يتطلب معالجة نقص البنية التحتية، والحاجة إلى ضمان شفافية واستقلالية القرار، وإشراك خبراء مستقلين وتعزيز التعاون الدولي.
وكانت وزارة المالية أصدرت قراراً يقضي بتشكيل لجنة لمراجعة القانون المالي الأساسي للدولة وتحديثه، تستهدف تحقيق تغيير نوعي في القانون، لتنظيم أفضل لإدارة الصرف والإيرادات، والخروج من القيود المركزية، واستخدام الدفع الرقمي وتطوير مهام المراقب المالي ومسؤولياته وغيرها.