الحرية – حنان علي:
بينما تستعد البلاد لصياغة دستور جديد، تتجه الأنظار نحو النصوص التي ستحدد مستقبل المجتمع، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة، حيث “تحفظ الدولة المكانة الاجتماعية للمرأة، وتصون كرامتها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتكفل حقها في التعليم والعمل، جنباً إلى جنب مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحمايتها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف.
رؤى متنوعة حملها خبراء وناشطون سوريون حول حقوق المرأة في “الإعلان الدستوري الجديد” فكيف يمكن للدستور أن يعكس الدور المحوري للمرأة كشريك أساسي في بناء الحضارة وصناعة المستقبل؟ هذا ما نسعى لاستكشافه في هذا التحقيق.
“يعد الدستور الوثيقة الأسمى التي تحدد ملامح الدولة، وهو الميزان الذي يُضبط به العدل، لذا فإن أي نص دستوري يتناول حقوق المرأة يجب أن يُبنى على أسس قوية تحفظ كرامتها وتضمن مشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات الحياة.
إذا كان مصدر التشريع الرئيسي هو الفقه الإسلامي.. فإن الشريعة الإسلامية قد سبقت كل الحديث في ترسيخ حقوق المرأة
بهذا استهل المحامي منيب هائل اليوسفي رؤيته العارفة لصحيفة الحرية حول (الإعلان الدستوري الجديد)، مؤكداً ضرورة تسليط الضوء على مكانة المرأة في مع عدم الإخلال بأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع موضحاً بالقول:” لقد تناول الإعلان الدستوري الجديد في سوريا حقوق المرأة من خلال المادة 21، مستنداً إلى مبادئ المساواة وعدم التمييز، غير أنه أثار تساؤلات جوهرية: هل يوفر هذا الإعلان ضمانات كافية لتمكين المرأة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا؟ وهل يُترجم هذه المبادئ إلى التزامات فعلية تحمي حقوقها؟”
حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية
ذكر المحامي اليوسفي الحقوق التي نالتها المرأة في الشريعة الإسلامية بالقول: “إذا كان مصدر التشريع الرئيسي كما جاء في الإعلان الدستوري هو الفقه الإسلامي، فإن الشريعة الإسلامية الغراء قد سبقت كل الحديث في ترسيخ حقوق المرأة حيث أكد القرآن الكريم مبدأ المساواة والعدل بقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم – الحجرات: 13) ما يدل على أن معيار الأفضلية بين البشر ليس الجنس بل بالتقوى والعمل الصالح. وبالتالي، فإن المشاركة السياسية للمرأة هو مبدأ أساسي أصيل في الإسلام كما قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم – الشورى: 38) وهذا يشمل النساء والرجال على حد سواء”. كما أشار اليوسفي إلى الآية القرآنية (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر – التوبة: 71) منبهاً إلى أن الرجال والنساء شركاء في تحمل المسؤولية السياسية والاجتماعية : “إن النص الدستوري يجب أن يلبي ويحفظ حقوق المرأة سياسيًا ويؤهلها لتكون شريكًا فاعلًا في صنع القرار”.
الحقوق الاقتصادية للمرأة
أما من الناحية الاقتصادية، وفق تأكيد القانوني الأستاذ اليوسفي: ” لقد ركز الإسلام على حق المرأة في التملك والعمل، فقال تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن – النساء: 32). وهذا يتطلب أن يكفل الدستور السوري الجديد للمرأة فرصًا متكافئة في العمل والتجارة والاستثمار في مختلف مناحي الحياة.
شواهد من السيرة النبوية الشريفة تدل على مشاركة النساء في المشورة عبر التاريخ الإسلامي
التحديات التي تواجه حقوق المرأة
على الرغم من تضمين الإعلان الدستوري الجديد حسب ما جاء في المادة 21 التي تشدد على حقوق المرأة، إلا أن التحديات من وجهة نظر المحامي اليوسفي تكمن في عدة نقاط: أبرزها ضعف التطبيق القانوني: “ثمة مخاوف كبيرة من عدم تفعيل القوانين التي تحمي المرأة، مما يُبقي هذه النصوص حبرًا على ورق”.
إضافة إلى عدم وضوح آليات التمكين: “النصوص الدستورية يجب أن تتضمن ضمانات صريحة تكفل التمثيل السياسي الفعلي للمرأة في المناصب العليا” وآخرها الثغرات في التشريعات الاقتصادية: “لا يزال هناك نقص في الضمانات التي تتيح للمرأة فرصًا اقتصادية عادلة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية”.
النصوص الواضحة
وهكذا وصل اليوسفي إلى أن إنصاف الدستور الجديد بحق المرأة السورية، يجب أن يتبنى نصوصًا واضحة وصريحة تضمن المساواة في التمثيل السياسي، وفقًا لمبدأ الشورى الإسلامي، واتخاذ إجراءات قانونية صارمة لحماية المرأة من التمييز والعنف، فهناك شواهد من السيرة النبوية الشريفة تدل على مشاركة النساء في المشورة، مثل استشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأم سَلمة في صلح الحديبية، وأدوار النساء في السياسة والمجتمع عبر التاريخ الإسلامي.. ذلك جنباً إلى جنب مع ضرورة وجود ضمانات اقتصادية واضحة تتيح للمرأة حرية العمل والاستثمار دون قيود مجتمعية أو قانونية.
وقبل الختام أكد المحامي منيب هائل اليوسفي أن : “المرأة السورية، التي كرّمها الإسلام، تستحق أن تُعبر عن حقوقها في نصوص دستورية واضحة، تترجم إلى واقع ملموس يدعم دورها الفاعل في بناء المجتمع. من خلال هذا النهج، يمكننا أن نأمل في دستور يعكس قيم العدالة والإنصاف، ويعزز من استقرار الوطن وتقدمه.”
المرأة السورية التي كرّمها الإسلام.. تستحق أن تُصَان حقوقها في نصوص دستورية واضحة تترجم إلى واقع ملموس يدعم دورها الفاعل
ولاستعراض المزيد من الآراء استضافت صحيفة الحرية الكاتبة والناقدة فدوى العبود وسألتها عن دور المجتمع والدستور في تعزيز مكانة المرأة وحماية حقوقها المجتمعية وفقًا للمادة 21؟
رأت العبود أن السؤال مركب، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر يكمن في المجتمع. وأوضحت أن حقوق المرأة مهدورة اجتماعيًا في سوريا، حيث تغيب ثقافة القانون بالتعاضد مع الأعراف الذكورية السائدة. فمن يحمي امرأة أرادت متابعة تعليمها بالضد من رغبة أسرتها التي تريد تزويجها؟ ومن يحمي حقها بالميراث من عسف الأقارب قبل غيرهم؟”.
فجوة بين النصوص القانونية والواقع
اعتبرت العبود أن الصياغات في الدساتير رائعة وعبارات القوانين أروع لكن الواقع مغاير إلى حد ما: “قلت لكِ المشكلة مركبة، وبحجة أننا مجتمعات لنا عاداتنا وهي في أغلبها ذكورية وتستند إلى فهم خاطئ للدين ومغلوط تتعرض المرأة للكثير من الضيم والقهر! إن المسألة ليست في العناوين إنما في التفاصيل والشيطان يكمن فيها، لذلك لا قيمة لما لا يتحقق واقعيًّا، وهذا يعني أن نغوص أكثر في الآليات التي ستتخذها الدولة لحماية هذه الحقوق لعل الجزئية الأكثر أهمية في الدستور (تلتزم بحمايتها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف). في مجتمع بنيته عنفية وهذه حقيقة سببتها النظرة للمرأة أو طبيعة المجتمع، علينا أولاً أن نعمل على الوعي المجتمعي وهذا لا يتم دون أن تملك الدولة في ظهرها سداً من المتنورين ورجال القانون الذين يشرفون على وضع المناهج التعليمية، على التدريس، بعيداً عن كل أشكال التمييز”.
علينا الغوص أكثر في الآليات التي ستتخذها الدولة لحماية حقوق المرأة.. لعل الجزئية الأكثر أهمية في الدستور أنها (تلتزم بحمايتها من جميع أشكال القهر والظلم والعنف)
وسائل التغيير
وعن سبل تفادي أشكال التمييز بين الرجل والمرأة رأت الكاتبة السورية أن ذلك قد يبدأ منذ الصف الأول الابتدائي وحتى الجامعة: “إن التعليم يحتاج إلى جيش من المتنورين والمثقفين والحقوقيين الذين يجب أن تساعدهم الدولة على أن يأخذوا دورهم، وبما أن المادة 10 نصت على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب. فالسؤال عن التطبيق”؟!!
إتاحة الفرصة لنساء قياديات ومتنورات لكي يقدمن مثالاً عن الإنجاز والنجاح
تحديات تطبيق القوانين
وبالحديث عن التحديات التي تواجه تطبيق القانون شرحت العبود: “يبدو وضع المرأة ممتازاً دائماً في كل الدساتير، لكن عندما ندخل في عمق واقعها نجده خلاف ذلك. على القانون أن يكون أقوى من العرف لأن العرف ليس دائماً في المكان الصحيح. يبدأ تصحيح هذه الوضعية من التعليم، وتحسين الوضع الاقتصادي للناس لأن الفقر والفكر لا يجتمعان، ثم يأتي العمل على الوعي المجتمعي عبر فرص عادلة في التعبير عن الذات للمرأة والرجل والأهم تصحيح نظرتها إلى نفسها عبر إتاحة الفرصة لنساء قياديات ومتنورات لكي يقدمن مثالاً للإنجاز والنجاح.. المجتمع يحتاج إلى التحرر من الأدلجة عبر العلم والنقد وحس المسؤولية والدستور يحتاج إلى قوة القانون التي قد تتعارض أحياناً مع العرف”.
دعوة للتغيير
وفي دعوة لاتخاذ خطوات عملية اختتمت الناقدة السورية فدوى العبود بالقول : “إذا أردنا أن نكون دولة على الطريق الصحيح وأن نستحق حريتنا التي كافحنا لأجلها علينا أن نعي أن واقعاً مشكلاً من تفكير قبلي وعشائري تبعد فيه المرأة عن الميراث أو تزوج صغيرة أو تعتبر أقلّ من القيام حتى بواجباتها الدينية أو يمكن لقريب لها من سابع جد أن يتحكم باختيارها شكل حياتها، ذلك نحتاج إلى جيش من المتنورين وهم موجودون وعلى الدولة أن تبحث عنهم لا أن تتركهم منفصلين عن واقعهم.
علينا أن نعمل على الوعي المجتمعي وهذا لا يتم دون أن تملك الدولة في ظهرها سداً من المتنورين ورجال القانون الذين يشرفون على وضع المناهج التعليمية بعيداً عن كل أشكال التمييز
هذا ما أفهمه من عبارة “استبدال الجهل بالعلم”. ويمكن أن نضيف استبدال القانون بالعرف وتصحيح الأخير في معاملته للمرأة عبر العمل على الوعي المجتمعي قبل صياغة أي نظريات”.
وفيما يتعلق بالخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها لضمان تنفيذ الحقوق السياسية للمرأة كما ورد في المادة 21؟ قمنا بسؤال الصحفية والكاتبة السورية رانيا المصطفى والتي تقدمت بعدد من الرؤى والاقتراحات بدأتها بمناقشة المساواة بين النظرية والتطبيق قائلة:
” على الرغم من أنها تتضمن دعماً دستورياً للنساء لكن المادة ٢١ قد تثير قلقاً من تنميط المرأة، ذلك من حيث التطبيق العملي، إذ تبدو هذه المادة، إلى جانب المادة ١٢ المتعلقة بالالتزام بالمعاهدات والمواثيق التي صدقت عليها سوريا، ذات غرض سياسي لإظهار التزام سوريا تجاه الخارج بمعاهدات حقوق الإنسان، خاصةً فيما يتعلق بالمرأة، جنباً إلى جنب مع النهوض بالمرأة، يجب النهوض بالمجتمع السوري ككل.
كرامة المرأة
وعن ضمان كرامة المرأة أكدت مصطفى أن الإعلان الدستوري يتضمن بنوداً إيجابية للحفاظ على حقوق المرأة منوهة بأن تحقيق ذلك وثيق الصلة بضمان كرامة الأسرة وتلبية احتياجاتها، وعقبت بالتنويه: “إن غياب أي إشارة إلى مجانية الطبابة والتعليم، وحق الحصول على فرص العمل للجميع، قد يدفع بالمرأة إلى وظائف استغلالية”.
يحتاج المجتمع إلى التحرر من الأدلجة عبر العلم والنقد وحس المسؤولية والدستور يحتاج إلى قوة القانون التي قد تتعارض أحياناً مع العرف
إنعاش الاقتصاد
كما أوضحت مصطفى أن المادة المتعلقة بالاقتصاد تؤكد على المنافسة الحرة، أي تحرير الاقتصاد، وهي تتناقض مع ما ورد في المادة نفسها حول العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والدمار الحاصل. إن اعتماد سياسات اقتصادية تنموية قائمة على التخطيط من قبل الدولة بدلاً من الخصخصة العشوائية وانتظار رفع العقوبات وأموال إعادة الإعمار هو شرط أساسي للانتعاش الاقتصادي وخلق فرص عمل جيدة، ولبناء حياة أسرية مستقرة.
صورة نمطية
أشعر ببعض القلق حيال التوجهات المجتمعية الحالية وتأثيرها المحتمل على دور المرأة، إذ على الرغم من وجود تشريعات إيجابية، إلا أنني أخشى من أن بعض التفسيرات الثقافية السائدة قد تسهم في تعزيز صور نمطية أو فرض قيود غير ضرورية عليها، وهو ما قد يعيق التقدم نحو تحقيق المساواة الكاملة.
يتضمن الإعلان الدستوري بنوداً إيجابية للحفاظ على حقوق المرأة لكن ذلك وثيق الصلة بضمان كرامة الأسرة وتلبية احتياجاتها
القوانين الوضعية وقوانين الأحوال الشخصية
أوردت الكاتبة مصطفى وجهة نظرها حول الإشكالية المتعلقة بالقوانين الوضعية، خاصة قوانين الأحوال الشخصية، والتي ترى أن جزءاً كبيراً منها قد لا ينصف المرأة بشكل كافٍ.
“في المقابل أشادت بارتقاء مكانة السوريات موضحة بالقول: “إن وضع المرأة في سوريا، متقدماً نسبياً من حيث التعليم وقدرتها على الوصول إلى مناصب قيادية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير القوانين على الحد من مكانة المرأة ودورها في المجتمع، وقدرتها على تحقيق المساواة الكاملة مع الرجل.
الإعلان الدستوري خطوة منتظرة تتماشى مع واقع المرأة السورية..
من جانبها اعتبرت الإعلامية سيلفا رزوق أن الإعلان عن الدستور الجديد ما هو إلا خطوة منتظرة تتماشى مع واقع المرأة السورية، وقد أزال كل المخاوف التي سادت المشهد السوري خلال الأشهر الماضية بعد سقوط النظام البائد. كما ثبت الحقوق التي حصلت عليها المرأة السورية خلال عقود من الزمن. إن دسترة حقوق المرأة بشكل واضح وصريح بما يخص حقها بالعمل وحقها في المشاركة من وجهة نظر رزوق؛ يندرج ضمن الحقوق التي طالما ناضلت من أجلها المرأة السورية، المرأة التي قاست وتحملت الكثير خلال الثورة وعانت عبئاً كبيراً: “أرى أن هذا البند المتخصص جاء تأكيداً على حقها ومكانتها الحقيقية ويحسبُ لواضعي الإعلان الدستوري”.